مقالات

“فإن تولت فبالأشرار تنقاد”

د. أيمن خالد

كاتب صحفي
عرض مقالات الكاتب

للعراق حالته الخاصة من حيث مواطن قوته وضعفه، زهوه وانكساره. وهكذا جميع المتنافرات والمتضادات في تاريخه التي هي سمة هذه البقعة من الأرض التي قيضها الله لحكمةٍ هو يعلمها. أما ما وصل إلى علمنا بالمعايشة والنظر والإحساس فهو تاريخ من الصراع على جبهة شرق أمة ما استقر لها زمن. يسمونه بوابة الشرق وهو أقرب إلى بوابة الشر بحكم جواره لإمبراطورية الشر الفارسي. والتاريخ ما أصبح تاريخا إلا بعد سلسلة أحداثه وما ترتب عليها من آثار. ذلك يعني أن التاريخ هو ليس الواقعة لحظة حصولها وإن كانت تشكل البداية، بل هو مجمل فصول الحكاية التي قد لا تنتهي. ذلك يعني الفرق الواضح بين الحدث وبين التاريخ إذا ما اعترفنا بأن التاريخ حركة مستمرة وفي عكس ذلك سنبقى ندور في فلك حكايات العجائز وقصص تنويمات الأطفال.

من طرائف المجتمع العراقي أنه يحتفل في ذكرى تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ويعتبرها انتصارا لإرادته واستقلاله. وهو نفسه الذي يحتفل بقتله للعائلة المالكة التي أسست دولته. مثلما يحتفل بعيد تأسيس جيشه الذي تزامن مع تأسيس دولته. ويحتفل أيضا بيوم اجتثاث وانهيار ذلك الجيش. لا شيء عزيزا في تلك البقعة. حتى المواقف والولاءات. تلك هي الازدواجية التي يمكن تغليفها بمصطلح (للعراق حالته الخاصة).

بالمناسبة يصادف هذا اليوم ذكرى المجزرة التي قام بها العسكر العراقي بذبح العائلة الملكية الحاكمة ويطلق عليها في العراق ثورة 14 تموز عام 1958 هذه المذبحة جاءت في سياق ثورات الدم التي قادتها عساكر العرب في أغلب الدول العربية التي مازالت آثارها تحكم الأمة تحت بند النظام العربي الحاكم.

على سبيل المثال، الحدث يقول إن العراق أصبح مسلما بعد الفتح تحت قيادة الخليفة عمر بن الخطاب. والتاريخ هو الفترة الزمنية منذ الفتح حتى هذه اللحظة بكل ما حمل من أحداث. ولذلك كلنا نكاد نتفق على لحظة الحدث ولكننا جميعا نختلف على مآلات التاريخ. وسبب الخلاف ليس التاريخ نفسه كعلم وأمانة بقدر ما هو تسلط الصعاليك على مفارق التاريخ. فاذا افترضنا أن الحدث هو فتح العراق (عُمريا) فإن التاريخ سيسجل أن أكثر منابر العالم الإسلامي سبّا وشتما للخليفة عمر هي منابر العراق. وليس هناك فقرة في قانون العراق تمنع ذلك. لأن القانون يضعه النصابون الانتهازيون كما هو الحال الآن.

أذن الحدث عظيم والتاريخ مؤلم وحزين.

هو العراق نفسه الذي تشرف بمركز خلافة الأمام علي بن أبي طالب. هذا هو الحدث العظيم بينما التاريخ يسجل مقتله ومن بعده مقتل أسرته وورثته على أيدي العراقيين وتحميل دم الفاجعة التاريخية على رقاب الناس الأباعد.

ومثلها حكاية باني بغداد ومشيدها الخليفة أبو جعفر المنصور. فقد بناها وأخضع ربع الكرة الأرضية لهذه العاصمة. وجعل لأهلها سترا وغطاء أمام الأمم بأنهم ورثة عاصمة الخلافة. هذا حدث عظيم طبعا. ولكن العراقيين أنفسهم من أطاح برأس باني بغداد (المنصور) بعد يوم من الاحتلال الأمريكي للعراق. أليس من الطبيعي أن يكون أحد مسببات الموت هو التعرض لوعكة تاريخية تشبه أحداث العراق.

منذ أمس تنشغل صحافة بلاد الرافدين بخبر تأييد ملكة جمال العراق سارة عيدان وتأكيد دعمها لـ “صفقة القرن” بين الصهاينة والعرب وانزعاجها من الحساسية تجاه هذه القضية داعية أيضا إلى تطبيع العلاقات بين العراق والكيان الصهيوني. وهنا المفارقة الأخيرة في هذه المقالة بين محطات الأحداث ومفهوم التاريخ إذا ما تصورنا أن (سارة عيدان) هي من الأرض نفسها التي أنتجت محرر القدس القائد صلاح الدين الأيوبي.

الحكاية لم تنته بعد. فالعراق الذي أنتج أعلامها ومؤسسيها قادر على إعادة الإنتاج… إنما بعد التخلص من حكم الغلمان.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى