مقالات

ما أشبه سربرنيتشا الأمس بسوريا اليوم

عمار الشاعر

إعلامي وأديب سوري.
عرض مقالات الكاتب

في الذكرى الرابعة والعشرين لمجزرة سربرنيتشا في البوسنة والهرسك تدخل المذبحة السورية عامها التاسع.

لم يفعل أهل البوسنة والهرسك شيئاً سوى ممارسة حقهم الطبيعي في تقرير المصير من خلال استقلالهم عن جمهورية يوغوسلافيا كما استقل قبلهم أهل سلوفينيا، ما أثار الحقد ورغبة الانتقام في نفوس صرب البوسنة المدعومين من صربيا حينما تآمرت الأقلية على الأكثرية كما يحدث اليوم تماماً في سوريا، لكن نظام الأسد تذرع بمحاربة الإرهاب ليمارس التطهير العرقي بحق من أرادوا أن يقرروا مصيرهم ويخلعوا عنهم ثوب العبودية الذي أرغمهم الأسد الأب والابن على لبسه عقوداً طويلة.

جريمة الإبادة الجماعية في سربرنيتشا يرى كثيرون أنها بتواطؤ من الأمم المتحدة، فرغم تسليم البوسنيين سلاحهم لقوات الأمم المتحدة – المكونة آنذاك من جنود هولنديين – مقابل إعلان المدينة آمنة قامت هذه القوات بتسليم المدنيين لأيادي الصرب القاتلة، وقضى على إثرها أكثر من ثمانية آلاف مدني ناهيك عن اغتصاب النساء.

وفي سوريا تلعب الأمم المتحدة الدور ذاته، ولكن بحرفية أكثر، فهي تدين القصف والتجويع والحصار من جهة، وتُشرعن القاتل، وتقدّم المساعدات عن طريقه من جهة أخرى، ليقوم بسرقتها وتجويع المدنيين في المخيمات والمناطق الخارجة عن سيطرته.

بعد مذبحة البوسنة لم يصرّح المبعوث الأممي إلى البوسنة ياسوشي أكاشي بشيء آنذاك، لكن ستيفان دي مستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا كان بطل القلق بلا منازع لكثرة تعبيره عنه عقب كل مجزرة يرتكبها نظام الأسد.

وكما استخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يعتبر ما جرى في سربرنيتشا جريمة إبادة جماعية استخدمت روسيا الفيتو ذاته اثنتي عشرة مرة لحماية القتلة في سوريا على مدار ثماني سنوات.

في الحرب الصربية قتل الصرب أكثر من 300 ألف شخص وهجّروا مليوني شخص، بينما قتل الأسد الابن ما يقارب المليون مدني، وهجّر ما يقارب ستة ملايين شخص، وأجبرهم على اللجوء إلى دول الجوار، ونزح مثلهم إن لم نقل أكثر منهم داخل سوريا، واضطروا للنزوح عشرات المرات مع إصرار طائرات الأسد على ملاحقتهم وقتلهم.

في سوريا دمّر النظام مدناً بكاملها وطمس هويتها بهدف التغيير الديموغرافي، ومحى معالم تاريخية فريدة، ناهيك عن آلاف المدارس والمساجد والمشافي التي سوّيت بالأرض بشكل ممنهج.

كيف تجرأ الصرب على جريمتهم البشعة؟؟ ألم يحسبوا حساباً للدول الكبرى والقانون الدولي والعدالة؟؟ هل تم إعطاؤهم الضوء الأخضر من تحت الطاولة ليفعلوا ما فعلوه دون تردد؟؟

الأسئلة ذاتها تنطبق على ما يفعله نظام الأسد اليوم، وخصوصاً فيما يخص الجرأة على القتل والتدمير والتهجير، فالقاصي والداني يعلم أن الأسد الأب على سبيل المثال تخلى عن لواء اسكندرون ورضخ لكل الأوامر التركية عندما اقتربت دباباتها من حدوده، والكل يعلم أن الأسد الابن أكثر امتثالاً وجبناً عندما هدده جورج بوش الابن فانسحب من لبنان كالفأر خلال ساعات قليلة.

صمتُ الدول الكبرى والعالم وتواطؤهم مع نظام فعل كل ما فعله على العلن ودون أي رادع يضع إشارات استفهام كبيرة، ربما ستتكشّف إجاباتها ذات يوم كما تكشّف الكثير بعد مرور السنوات الطوال على مجزرة سربرنيتشا.

ما أشبه سربرنيتشا الأمس بسوريا اليوم فمع اختلاف المأجورين وتفاوتِ قذارتهم إلا أنّ القاتل واحد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقاربة دقيقة وتحليل مطابق للواقع، ما دمت مسلما وسنيا فأنت هدف لجميع الحاقدين ومدعي الحضارة لأنك عندما تملك زمام الأمور تقزمهم وتظهر هشاشتهم ووحشيتهم وحقارتهم ويختفي كل نفوذ الا نفوذ الحق والعدل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى