مقالات

صراع العسكرة والسياسة حول إدلب

براءة الحمدو

صحفية سورية
عرض مقالات الكاتب

تتعدد الفصول في شجرة الملف السوري، وتتكشف السياسات الدوليّة الخاضعة لإرادة الواقعيّة السياسية ولمبدأ “فرق تسد” وعلى قدر المنافع يأتي التفاهم والتنسيق، لا أخلاق تقف أمام المنافع المتبادلة ولا مراعاة حقّ الجوار ولا تنفيذ حقوق الإنسان وكلّه تنظير واستهلاك في الكلام، تتصارع الدول فيما بينها لانتزاع الغنيمة من كلّ جريمة إنسانيّة، والدليل ما أنجزه الروس والإيرانيين في تحصيل العديد من المكاسب، وأوّلها صفقات السّلاح وتفحص نوعيته على رؤوس السوريين.

يزداد الوضع تأزماً في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب)، بسبب تنازع رعاة اتفاق سوتشي (التركي، الروسي، الإيراني) والنظام السوري من جهة، وفصائل الحر داخل إدلب (بكلّ تشكيلاتها الثورية) من جهة، خصوصاً بعد فشل جولات أستانة والأخيرة حصرياً بتاريخ 25 و26 نيسان _أبريل. حيث أعقبت المحادثات تصريح للرئيس “فلاديمير بوتين” أثناء عقده لمؤتمر صحفي في العاصمة بكين، فقال: “أنّ احتمال المعركة على إدلب لا يزال قائماً غير أن التوقيت ليس مناسباً”، وما هي أيام إلّا وتبدأ التصريحات الجادة التي تنبئ عن عملية تصعيد عسكري من قبل روسيا والنظام الأسدي.

بدأ التصعيد العسكري وسط تنديد أمريكي وموقف أوروبي خجول وصمت تركي في البداية، لكن مع اشتداد وتيرة الهجمات والخرق بدا واضحاً لما هو متفق عليه في تعرض نقاط المراقبة التركية (الاثنتا عشرة) للقصف من قبل قوات نظام الأسد،  الأمر الذي جعل أنقرة تحسم أمرها في الاستعانة بفصائل الحر المتمركزة في إدلب، فتنطلق التحركات المدعومة تركيّاً وبكميات محدودة (بصواريخ مضادات الدروع ومضادات طيران) من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، حيث تكبد نظام الأسد والروسي خسائر بشرية ومادية مالم تكن في الحسبان، وعموم المعارك تشهد تقدماً للفصائل الثورية، وبالكاد كرّاً وفرّاً تكتيكياً من الطرفين.

على ضوء التصعيد الروسي وما آلت إليه منطقة خفض التصعيد الرابعة، نستطيع الحديث عما طرأ من متغيرات على مستوى الملف السوري سياسياً، عبر تحالفات جديدة ما بين إيران وروسيا _ وتركيا وروسيا، فالتنافس على المصالح شديد والأمريكي من بعيد يلوح بضبط النفس ويحذر الروسي إلّا المدنيين.. فقط الإرهابيين.

التفاهمات (التركية الروسية) قائمة.. حول وقف المد الأمريكي المرتكز على الوحدات الكردية، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المعادي لتركيا، وعلى تعزيز التعاون العسكري المتمثل في تزويد تركيا بمنظومة إس 400. في حين حاولت موسكو إقصاء كلاً من (إيران وتركيا) من جهة، ومجموعة العمل المصغرة (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مصر، السعودية، الأردن) من جهة أخرى، لكن هذا الإقصاء لم يفلح رغم المساعي الروسية من خلال تعويم نظام الأسد عربياً، وإطلاقها لعملية إعادة الإعمار بأموال خليجية، بما في ذلك تشجيع عودة اللاجئين، خاصة في دول الجوار السوري.

هل سيتم تفكيك هيئة تحرير الشام عسكرياً أم دبلوماسياً؟

رأى الباحث “آرون لوند” في دراسة نشرها موقع World politics review أنّه من غير المتوقع أن تضحي روسيا بالعلاقة التي بنتها في السنوات الثلاثة الماضية مع تركيا لأجل ملف إدلب، كما أنّ سبب انزعاج روسيا من تركيا، هو تأخرها في الوفاء بتعهداتها في التعامل مع هيئة تحرير الشام.

نشر موقع “العربي الجديد” الخميس 4 يوليو- تموز الجاري تقريراً تحت عنوان (ترتيبات عسكرية وسياسية مرتقبة بخصوص إدلب) حيث أشار التقرير إلى الجهود المبذولة من أجل تقرير مصير محافظة إدلب التي تعتبر آخر معقل للمعارضة السورية، وحول تحرير الشام ذكر التقرير إلى أنها تمثل معضلة وأنّ حلها أمر ضروري لسحب ذريعة الروس التي يستندون عليها لاستمرار تصعيدهم على الشمال السوري، فالأتراك أخبروا المعارضة السورية أنّ مسألة تحرير الشام سيتم حلها أواخر العام الجاري، سواء بالسلم أو الحرب، في إشارة إلى عملية عسكرية محتملة ضدّ الهيئة.

في المقابل أجرى موقع “مدى بوست” حواراً مع الكاتب التركي “صبري علي أوغلو” الاثنين 8 يوليو 2019 الذي استبعد أن تقوم الدولة التركية بتنفيذ عمل عسكري ضدّ هيئة تحرير الشام المنتشرة في مختلف مناطق الشمال السوري، والسبب على حد وصف “أوغلو” أن الأتراك بارعون في الدبلوماسية ولديهم نفس طويل في السياسة والحوار فضلاً عن امتلاكهم القدرة على الاقناع، كما يضيف “صبري أوغلو” أنّ الخطوات التركية في حل الأمور تتم على مراحل، لكننا لا نعرف المدى الزمني اللازم لذلك.

القمة الثلاثية القادمة وانتظار تقرير المصير:

يرى المحللون والمهتمون في الشأن السوري أنّ تركيا ستبقى في إدلب بسبب وجود أمر واقع فرضته النقاط التركية المتوزعة في المنطقة، وهذا ما شدد عليه الرئيس التركي في قوله: إنّ نقاط المراقبة هي لحماية إدلب.

والتصريحات التركية تكرر في كل مرة.. أن أنقرة ليس لديها أي مطامع في أراضي الآخرين، لكن الأمن القومي التركي يفرض عليها البقاء في كل مكان دخلت فيه (شمال العراق، قبرص، درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب)، علاوة على ذلك فعيون أنقرة حالياً على منبج ومناطق شرق الفرات، وهي بانتظار الفرصة المناسبة للدخول إليها والقضاء على تنظيم (بي كا كا) وهو الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.

وعليه ستعقد أواخر هذا الشهر في تركيا قمة ثلاثية تجمع الأتراك والروس والإيرانيين، وذلك لبحث الملف السوري وتطوراته وتقرير مصيره، ومن المتوقع أن ينتج عن هذه القمة ملامح المرحلة القادمة، سيرمى حجر النرد ويدور ولا نجزم عند أي من الحلين سيقف ويطوى الملف السوري، هل الحل السياسي هو الفاصل أم الحل العسكري سيدخل فصلاً جديداً؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مشكورة استاذة براءة على هذه الصورة البانورامية الشاملة للأحداث بإدلب ولكم حول موضوع هيئة تحرير الشام لا أظن أن الأتراك يدخلون في صراع مباشر مع الهيئة فهذا ستكون له نتائج كارثية على الجميع و على المدنيين خاصة ممايسبب موجات نزوح هائلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى