مقالات

ثورة العودة.. الفكرة التي نحتاجها بالفعل (دولتا المحور أنموذجا)

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

شهد بلدنا وباقي البلدان العربية كثيرا من الثورات والانتفاضات والانقلابات والانفلاتات في عصرنا الحديث وتحديدا بعد سقوط الخلافة العثمانية في القرن الماضي وصولا إلى ثورات الربيع العربي وشهدت بذلك انعطافات عديدة ومواضع سياسية وفكرية ظاهرة.

إذ بعد قيام ثورات الربيع العربي لم نجد استقرارا جديدا أو تحسنا واضحاً للتنظيم السياسي أو الوضع الاقتصادي لدول الثورات والتغيير. على العكس بل تدهورت الأمور في أغلب البلدان الثائرة أما إلى حرب داخلية أو انقلاب جديد أو ثورة مضادة تابعة لبقايا الأنظمة السابقة.

 كل ذلك  يفسر بغياب تكملة الثورة حيث فكر الثورة لدى العقل العربي سوى تغيير النمط السياسي ويتمثل  في تغيير السلاطين وتبديل الحكم وإزاحة طائفة وتسيد أخرى وبالتالي يرجع بعد ذلك إلى فكرة التنافس السلطوي الذي يقود إلى الاضطرابات وتطرح لأجل ذلك كثير من الدماء والدمار فهذه أغلب نتائج ثوراتنا التي رأيناها في العصر الحديث، ولا ننكر أن التضحية والمجابهة وتحمل الضرر وأحيانا بذل الدماء قد تكون جزءا مهما من الثورات القائمة ضد المستبدين ولكن أن تكون هذه الدماء وهذا الدمار هي نتيجة حقيقية لهذه الثورات فهذا خلل واضح لفكرة الثورة والتغيير لدى القائمين عليها.

 حيث أن الدول والشعوب المتحضرة عندما. تمر بأزمة معينة أو حرب أو ثورة تغيير يتم على إثر ذلك نوع آخر من الثورات وهي ثورة الإصلاحات والتصالحات وإعادة الهيكلية التنظيمية للدولة والبنى التحتية والاهتمام بالواقع الاقتصادي والتنموي.

ذلك لأنه هذه الإصلاحات هي تكملة لإنجازات ثورة قائمة أو هي ثورة جديدة قائمة بالضد من مخلفات الحروب والأزمات الاقتصادية وتسمى هذه الثورة بفكرة العودة أو ثورة العودة لتصحيح مسار خاطئ أو لتصليح دمار ناشئ.

ولو نظرنا بتمعن إلى دولتي المحور اللتين شاركتا في الحرب العالمية الثانية وهما ألمانيا واليابان وكيف خرجوا من الحرب وكيف كان نمط فكرة الثورة لديهم رغم كل الآثار المدمرة للحرب عليهم لخرجنا بفكرة واضحة عن فكرة العودة التي نتبناها.

 بداية الحرب العالمية الثانية هي حرب دولية مدمرة بدأت عام 1939، وانتهت عام 1945، شاركت فيها الغالبية العظمى من دول العالم، تحت قيادة حلفين رئيسيين هما دول المحور وقوات الحلفاء، وكانت بدايتها في أوروبا، كانت حرباً شمولية وأكثرها كلفةً في تاريخ البشرية، شارك في تلك الحرب المدمرة أكثر من مئة مليون جندي، وكانت السبب بمقتل أكثر من 55 مليون شخص، وانتهت بسيطرة الإتحاد السوفييتي واستسلام الألمان غير المشروط. كان لهذه الحرب نتائج كبيرة على جميع الأصعدة، لتغير من الخارطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على صعيد العالم ككل، وفي نهاية الحرب كان هناك ملايين اللاجئين المشردين، انهار الاقتصاد الأوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيها.

طلب المنتصرون في الشرق أن تدفع لهم تعويضات من قبل الأمم التي هزمت، وفي معاهدة السلام في باريس عام 1947، دفعت الدول التي عادة الاتحاد السوفييتي وهي المجر، فنلندا ورومانيا 300 مليون دولار أمريكي (بسعر الدولار لعام 1938) للاتحاد السوفييتي. وطلب من إيطاليا أن تدفع 360 مليون دولار تقاسمتها وبشكل رئيس اليونان ويوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي.

أما ألمانيا واليابان فهما الدولتان الأكثر تأثرا بالحرب وأكبر الخاسرين فيها وعلى جميع الصعد فنسبة الخسائر البشرية في كلتا الدولتين وصلت 25 بالمئة مقارنة بالدول الباقية أما من الناحية المادية  فقدر خسارتهما ب 10 ترليون دولار أما فيما يخص البنى التحتية فقد شهدت دمارا شبه كامل لكلتي الدولتين وخاصة في مناطق الحرب فمثلا  برلين  وميونخ  وهيروشيما ونكازاكي وصل مستوى الدمار إلى 98 بالمئة أما حال الشعبين كان في حال يرثى له  إذ كانوا يتضورن جوعا وفقرا ولجوءا مذلا وتشردا  وكانت حكومتا الدولتين قد أفلستا ودمرت اقتصاديا ناهيك عن الأعباء المجحفة التي فرضتها دول الحلفاء .

بالرغم من كل ذلك لو نظرت على حجم الدمار والخسائر لتلك الدولتين ونظرت اليهما بعد عشرين عاما فقط لقلت إنهما لم يدخلا حربا قط. لماذا لان شعبي الدولتين وحكوماتهم قد قاما (بثورة) هذه الثورة ذات طابع جديد وفكر مختلف وأدوات مغايرة ومنهاج جديد ونفضوا غبار الحرب وأعلنوها بعد هذه النكسة وهي ……… بالعودة من جديد…… شحذ الهمم وتحويل النازع السلبي إلى موقف إيجابي والنمط الاستهلاكي إلى وازع إنتاجي وسمينا هذه الانتفاضة (بثورة العودة).

وكانت هذه الثورة تستند على أربع ركائز أساسية:

أولا: السياسة، من يقرء كلتي الدولتين في تلك الحقبة يجد أن الدولتين اتخذتا منهجا سياسيا جديدا وهو نفي مفهوم الحرب والانتقام من أذهان الجميع فكان لذلك أثر جيد فبرجوع الألمانيتين للالتحام وبنت اليابان عقود واتفاقيات جديدة تحث على السلام وخاصة مع الجار كالصين والكوريتين.

ثانيا: الاقتصاد، بدأت في تلك الفترة كلتا الدولتين بالاعتماد على آليات جديدة في التقدم باقتصاد الدولتين إذ اعتمدت بشكل شبه كامل على الاعتماد الذاتي وعلى الموارد البشرية المتاحة والبناء والإعمار بمنهاج محلي بحت وإنشاء شركات كبرى للاستثمار وجلب الخبرات وإرسال بعثات لجلب أسس خبرات اقتصادية متقدمة.

ثالثا: التعليم أفرضت بعد نهاية الحرب لكلتي الدولتين التعليم بشكل إجباري على الكل وبمناهج علمية جديدة وتطوير الجانب البحثي بشكل مكثف وخضعت الرصانة العلمية إلى متابعة ملحة وإعطاء امتيازات للمخترعين ففي الجامعات اليابانية في عقد الستين لا يتم قبول الطالب على الدرجة بل على نسبة التعليم التي وصل إليها من خلال لجان شكلت لذلك.

رابعا الصناعة: أهم ما ميز تلك الثورة للعودة والوقوف هي الصناعات فقد اعتمد على الطاقة الإنتاجية الصناعية بشكل مهول في تلك الفترة. ألمانيا هي بالأصل كانت متقدمة صناعيا ولكن كان التركيز على الجانب العسكري وبعد الحرب انتقلت إلى الجانب المدني والبناء أما اليابان فتعد اقوى الدول صناعيا في الوقت الحاضر لفخامة إنتاجها إذ تطورت في الصناعة بشكل ملحوظ ومتقدم وعلى جميع الصعد الإلكترونية والميكانيكية والبلاستيكية والكهربائية.

وبذلك بعد تلك الثورة التي قامت رأينا كيف رجعت الدولتان للوقوف من جديد ورجعت إلى كيان الدول المتقدمة بعدما وصل حالها إلى الحضيض بعد الحرب فهذه الثورة هي انجح ثورة وأجمل الثورات لا تعتمد على الدماء والقيود بل تعتمد على العلم والجهود. وهذا الذي نفقده في بلداننا وأوطننا العربية.

لقد جربنا كل الثورات فلم تأت لنا بالنتيجة الكاملة هل يا ترى سنجرب هكذا نوع من الثورات؟

لأننا نحتاج بالفعل إلى ربيع عربي للبناء ربيع عربي للتعليم ربيع عربي في السياسة المتبعة ربيع عربي للصناعة والاقتصاد.

عندما أجد العراق بعد ٢٠٠٣ أجده من نكسة إلى أخرى ومن تدهور إلى آخر.

أما دول الربيع العربي الأخرى  فأضحت تكملة ثوراتهم ليس إلى فكرة العودة العلمية والثقافية والصناعية لإحداث بذلك ثورة حقيقية وإنما أضحت ثوراتهم تنازع الرمق الأخير بين ظلم المستبدين والنزاعات الداخلية والانقلابات المدفوعة والضعف الاقتصادي والتشرذم والانقسام الذى لا أرى نتيجة إيجابية متحققة للشعوب العربية لأنها مازالت تعاني ضعف الوعي  الذي يجب أن يكون ملازما لأي تغيير لذلك شعوبنا تحتاج قبل كل شيء إلى ثورة في (الفكر والوعي) قبل كل شيء حيث أن شعوبا تركع للأنظمة القومية والملكية والدكتاتورية لعشرات السنوات وهي قابعة في الجهل والتضييق والتطرف الديني وسلب الحقوق، لا تستطيع أن تُنجِح ثوراتها وتقودها نحو بر الأمان بدون إزالة القيود التي فرضت على نفسيتها وفكرها ونمط العيش.

عندما ننظر إلى إمكانياتنا الاقتصادية ومواردنا البشرية وخطوطنا الشرعية أرى أننا باستطاعتنا من حيث الموضع المادي أن نخرج من ظل أنفسنا ونستغل هذه الثورات بالتطور والتقدم المتحقق لدولنا ولكن ينقصنا الوعي الكامن والقيادة السليمة.

وبذلك جميع الثورات التي قامت لم تحقق غايتها بل بعض منها فشلت فشلا ذريعا وقادت البلدان نحو الهاوية بسبب أنها لم تتم فكرة العودة في التقدم والتطور والتوحد بل على العكس حققنا فكرة العودة من الجانب السلبي فقط بالرجوع إلى الأنظمة السياسية الفاسدة والاستبداد والتشرذم.

نحن كدول نحتاج إلى فكر ثورة (العودة) الحقيقية. لكي تنجح ثوراتنا ضد المستبدين. ولكي نقف من جديد كأمة قوية وناجحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى