مقالات

لا نريد هبل

عمار الشاعر

إعلامي وأديب سوري.
عرض مقالات الكاتب

الغريب وبعد تسع سنوات من الفظائع التي ارتكبها النظام السوري بحق الشعب السوري ما يزال يتبنى بعض الأوربيين والعرب رواية النظام ويدافعون عنه ويعتبرون أن الشعب السوري هو من دمّر بلاده بيده وتعود عبارة “كنا عايشين” للواجهة

في بداية التسعينيات تخطيت السنة العاشرة من عمري، هذه السنوات القليلة كانت كفيلة بإيصالي لمرحلة من الرعب تجعل عروقي تتجمد وجسدي يرتعد لمجرد سماع كلمة حافظ أو الأسد، دون أن أعايش معتقلاته أو أن أختبر إجرامه.

لم يكن يحرص أهلنا “نحن جيل الثمانينات” أثناء تربيتنا على أن نخاف من الله بقدر تركيزهم على إخافتنا من حافظ الأسد، لربما هم محقون جدًا فالله رحيم غفور ويسامح عباده بينما عناصر مخابراته “أي الأسد” لا ترحم ولا تسامح ولا تخاف من الله ولا تميز بين طفل وامرأة وشيخ ورجل، هم لم يكونوا بشرًا بل مخلوقات تعادي البشر والشجر والحجر وهمّها الانتقام من كل شيء جميل، كل شيء يحمل بصيصًا من الإنسانية

في المدرسة كانوا يجبروننا على التسبيح بحمد “القائد الفذ” فنهتف بحياته وكان الهتاف الأبرز والأكثر ترديدًا “إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد”

هتاف يشعرنا أن القائد نوع من أنواع الآلهة سيبقى للأبد فعلًا ولن يموت مثلنا.

وكانت صوره في كل كتاب ودفتر نقرأه وعلى الجدران والدوائر الرسمية وفي كل مكان حتى على حافلة النظافة التابعة للبلدية أو “سيارة الزبالة” كما يطلق عليها السوريون

كبرت وكبر معي خوفي، مثلي في ذلك مثل أبناء جيلي ومن سبقنا أيضًا

في المرحلة الجامعية ازداد خوفنا مع ازدياد الصور إضافة للتمثال الضخم للقائد الفذ الذي كان في مدخل الجامعة، وفجأة مات حافظ!

أول عبارة قالها جدي: “مات هُبَل” قالها على وقع ضجيج وجلبة كبيرة بدأت تأتي من النافذة، كانت الناس تتسابق لتعود إلى بيوتها، أما المحال التجارية فأغلقت أبوابها دون أن تُدخل بضائعها حتى، وهرع أصحابها إلى بيوتهم.

في اليوم التالي كانت الشوارع شبه خالية فتنقلت عبر أسطح المنازل في حارتنا القديمة لأصل إلى منزل صديقي كان جالسًا وحيدًا على سطح بيته والدهشة لا تفارق وجهه: هل مات فعلًا؟

أجبته: بلى مات

ودون تردد قال: “لا. كذب فالآلهة لا تموت”!

كلمات صديقي عادت لذاكرتي بعد أحد عشر عامًا عندما انتفض الشعب السوري ضد العبودية والذل ومزّق الصور وحطم الأصنام، وفهمت ما يقصد بهذه الكلمات أول ما قام به النظام وشبيحته النظام هو إجبار المعتقلين من المتظاهرين على نطق عبارة “لا إله إلا بشار” وقولهم لهم أيضًا مين ربك ولاك وهنا يجب أن يجيب المعتقل “بشار” في محاولة بائسة منهم لإعادة هيبة هبل الذي حطمه الشعب السوري وعفّروا برأسه التراب

أيها المستغربون من انتفاضة الشعب السوريين ضد هذا النظام من الأوربيين وبقية الشعوب: “كنّا ميتين ولم نكن يومًا عايشين” والشعب السوري لا يريد شيئًا سوى أن يكون لديه رئيسٌ فقط لا إله.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع وتوصيف دقيق لحال البلد الذي لم يمارس حكامه الا غسيل الادمغة وتشريع النفاق وقتل كل ما هو راق ونبيل من قيمنا الإسلامية والإنسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى