مقالات

علي عزت بيجوفيتش

عصام العطّار

مفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

في الثالث والعشرين من شعبان سنة 1424هـ، والتاسع عشر من تشرين الأول/أكتوبر سنة 2003م، فَقَدَتِ البوسنة والهرسك، وفَقَدَ المسلمون؛ بل فَقَدَ العالَمُ كلُّه، رجلًا من أعظمِ الرجال، وأكرمِ الرجال: “علي عِزَّتْ بيجوفيتش” رحمه اللهُ تعالى، بعد نَحْوِ ثمانيةٍ وسبعينَ عامًا قضاها في رِحْلَةِ الحياة، ورحلةِ العلمِ والعملِ والفكرِ والجهاد.

كانَ علي عِزّتْ بيجوفيتش عظيمًا في إيمانِه، وصِدْقِهِ وإخلاصِه، عظيمًا في إبائِهِ واستقامتِهِ وأخلاقِه، عظيمًا في عِلْمِهِ وفكرِهِ وإرادتِهِ، عظيمًا في جهادِهِ وصبرِهِ وتضحيتِه.

رفض الانقياد إلى الفاشيّة أو الشيوعية، أيّامَ سَطْوَةِ الفاشية والشيوعية أثناءَ الحرب العالمية الثانية وبَعْدَها، واختارَ لنفسِهِ طريقَ الإسلام، وما كانَ أصْعَبَ طريقَ الإسلام، وأخطرَ السَّيْرَ فيه، وأفدَحَ ما كانَ يُصيبُ المستقيمينَ عليهِ مِنَ الشدائدِ والمصائِب.

دخلَ السجن أكثرَ من مَرَّة، وقضى فيه سنواتٍ من عمره، ولاقى فيهِ وخارجَهُ ما لاقاه، في ظِلِّ الحكمِ الشيوعِيّ، والتعصُّبِ القَوْمِيّ، وإهدارِ القِيَمِ الإنسانِيَّةِ والقوانين

وعَمِلَ علي عزت بيجوفيتش للإسلام ناشئًا، وعَمِلَ له شيخًا مُسِنًّا

عَمِلَ للإسلامِ صَحيحًا قويًّا، وعَمِلَ لهُ مريضًا ضعيفًا

عَمِلَ للإسلام على الصعيدِ الفكريّ والثقافيّ والتربَوِيّ، وعمل له في ميادينِ القتالِ والجهاد

عمل شَخْصًا عاديًّا، وعمل قائدًا سياسيًّا وشعبيًّا،

وعمل رئيسًا لِلْجمهورية، وبَقِيَ في ذلك كُلِّهِ هو هو المؤمن التقيّ النقيّ الذي لا يتخلّى عن مبادئ الإسلامِ وقِيَمِهِ حَتّى في أظلمِ الليالي، وأصعبِ الظروف، التي تُبَرِّرُ في مواجهةِ العُدوانِ الصِّرْبيّ الكرواتيّ الوحشيّ كُلَّ ضَرْبٍ من ضُروبِ رُدودِ الفعل مهما اشتدَّتْ رُدودُ الفِعل

ويكفي أنْ أشيرَ هُنا إلى أنَّهُ في الوقت الذي كان يُذبحُ فيهِ المسلمون المُجرّدون من السلاح، رجالًا ونساءً وأطفالًا، بالمئاتِ والألوف في المناطق الصِّرْبيّة أوْ الكرُواتيّة، أوْ يُدفنونَ في مقابر جماعية وهُمْ أحياء، وفي الوقت الذي كانت تُهَدَّمُ فيه مساجدُهُم، وتُحْرَقُ كُتُبُهُم ومكاتبُهم، وتُمْحَى مَعالمُ تاريخِهِم وحضارتِهِم. في هذا الوقت لم تُهْدَم في “سراجيفو” عاصمة البوسنة والهرسك كنيسة واحدة بأيدي المسلمين، ولا مَعْلَم من مَعالم الحضارة والتاريخ، ولم يـُنـْتَـقَـمْ مِنْ أحَدٍ مِنَ الصِّرْبِ والكرُوات الذين يعيشون بين المسلمين

إنّ الوجودَ الإسلاميّ في البوسنة والهرسك لَيَدينُ في استمرارِه -مهما كان شكلُ هذا الاستمرار- لِعَلِي عِزَّتْ بيجوفيتش العالِمِ والمُرَبّي والمفكِّر والقائد ورئيس الجمهورية.

وإنّ السلام في البوسنة والهرسك -على عِلاّتِه- لَيَدينُ بالكثير لهذا الإنسانِ العظيم

وإنّ الإنسانيّة والقيَمَ الإنسانيّة لَتَدينُ للإسلامِ كما تَجَلّى في حياةِ وتَصَرُّفاتِ هذا الإنسان العظيم

ولذلك كلِّهِ فنحنُ نَفْهَمُ حَقّ الفهم ما قاله “عدنان ترزيتش” رئيس الحكومة المركزية في البوسنة عَقِبَ وفاةِ عِزَّتْ علي بيجوفيتش:

„علي عزّت بيجوفيتش هو أبو البوسنة، وأبو الدفاع عنها، وأبو الديمقراطية وحُقوقِ الإنسانِ فيها. إنّهُ أعظمُ شخصيّة عَرَفَها تاريخُنا منذ ألف عام”

ونفهمُ ما قاله رئيسُ الوزراء البوسني الأسبق: “حارث سيلاجيتش” الذي كان يختلف معه في بعض النهج:

„علي عزت بيجوفيتش رجل تاريخِيّ وَضَعَ بَصَماتِهِ بثبات ليس على الماضي والحاضرِ فحسب؛ بل على المستقبل أيضًا”

رحم الله المسلمَ الصالح والزعيمَ الصالح والرئيسَ الصالح: علي عزت بيجوفيتش، وعوّضَهُ الجنّة، وعوّض المسلمين والعالم منه أحْسَنَ العِوَض

نُشِر هذا المقال أول مرة ٢٠٠٣ وتعيده رسالة بوست نقلًا من صفحة الكاتب على الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى