بحوث ودراسات

دراسة ضابط الأمن السِّياسي الملازم أوَّل محمَّد طلب هلال في منطقة الجزيرة السورية في ستينيات القرن العشرين

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

نتيجة للأحداث الَّتي وقعت في مناطق الأكراد في تركيا والثورات التي قاموا بها والتي بدأت بثورة الشَّيخ سعيد بيران عام (1925 م) وانتهت بإخماد ثورة سيِّد رضا في عام (1938 م) في درسيم (فقد قام الأتراك بقمع كل ثورة وهذا يعني أن هناك هجرة كرديَّة جديدة إلى الجزيرة السُّوريَّة ودول الجوار. ولم تتوقف هذه الهجرات حتَّى عام (1959 م) عندما تحوَّلت من هجرات قسريَّة خوفًا من البطش التُّركي إلى هجرات عمل آملًا بالحصول على قطعة أرض، عندما شرعت الحكومة السورية في عام (1959 م) بتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء في الجزيرة (الحسكة) دون إتِّباع سياسة تمييز قوميِّ أو لغوي في عملية التَّوزيع، حيث أعطيت الأولوية للفلاحين الَّذين يعملون في الأرض، وكان في عدادهم الكثير من الفلاحين الأكراد ممَّن لا يحملون جنسيَّة سوريَّة، أو غير المقيَّدين في السِّجل المدنيِّ. وخلال تلك الفترات جرت احداث في الحسكة هددت وحدة الأراضي السورية. وجاء إحصاء المرسوم 93 لعام 1962 ونتج عنه وجود فئة من الأكراد ليس لهم أي وضع قانوني في الجزيرة السُّوريَّة، وسبب ذلك الى ازدياد القلاقل في الحسكة، وكان مسؤول الأمن في الحسكة أنداك هو الملازم أول محمد طلب هلال (تقلد مناصب عديدة بعد ان احيل للتقاعد برتبة عميد فقد كان عضو قيادة قطرية ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرا للزراعة والصناعة وسفير سورية في بولونيا) والَّذي درس المشكلة وقدَّم المقترحات إلى القيادة العليا في سوريَّة وتضمَّنت تلك المقترحات على ما يلي:
1- أن تعمد الدَّولة إلى عمليات التَّهجير إلى الدَّاخل، مع التَّوزيع في الدَّاخل، ومع ملاحظة عناصر الخطر أولًا فأوَّل ولا بأس أن تكون الخطَّة ثنائية وثلاثية السِّنين، تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقلَّ خطورة… وهكذا.
2- سياسة التَّجهيل: أي عدم إنشاء مدارس، أو معاهد علميَّة في المنطقة لأنَّ هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.
3- إنَّ الأكثريَّة السَّاحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة، يتمتَّعون بالجنسيَّة التُّركيَّة. فلابدَّ لتصحيح السِّجلَّات المدنيَّة، وهذا يجري الآن، إنَّما نطلب أن يترتَّب على ذلك إجلاء كلِّ من لم تثبت جنسيته، وتسليمه إلى الدَّولة التَّابع لها. أضف إلى ذلك يجب أن يدرس من تثبت جنسيته دراسة معقولة، وملاحظة كيفية كسب الجنسيَّة، لأنَّ الجنسيَّة لا تكسب إلا بمرسوم جمهوري. فكلُّ جنسية ليست بمرسوم، يجب أن تناقش، تبقي من تبقي، أي الأقلِّ خطرًا، وتنزع من تنزع عنه الجنسيَّة، لنعيده بالتَّالي إلى وطنه. ثمَّ هناك تنازع الجنسيَّات، فإنَّك تجد أحدهم يحمل جنسيتين في آن واحد، أو قل ثلاث جنسيَّات، فلابدَّ والحالة هذه أن يُعاد إلى جنسيَّته الأولى وعلى كلِّ حال، فالمهم ما يترتَّب على ذلك الإحصاء والتَّدقيق من أعمال حيث يجب أن تقوم فورًا عمليات الإجلاء.
4- سدُّ باب العمل لابدَّ لنا أيضًا مساهمة في الخطَّة من سدِّ أبواب العمل أمام الأكراد حتَّى نجعلهم في وضع، أولًا غير قادر على التَّحرك، وثانيًا في وضع غير المستقر المستعد للرَّحيل في أيَّة لحظة، وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزِّراعي، أولًا في الجزيرة، بأن لا يؤجَّر، ولا يملك الأكراد، والعناصر العربيَّة كثيرة وموفورة بحمد الله.
5- شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركّزة على الأكراد، بتهيئة العناصر العربية أولًا لحساب ما، وخلخلة وضع الأكراد ثانيًا، بحيث يجعلهم في وضع غير مستقر.
6- نزع الصِّفة الدِّينيَّة عن مشايخ الدِّين عند الأكراد، وإرسال مشايخ بخطَّة مرسومة عربًا أقحاحًا، أو نقلهم إلى الدَّاخل، بدلًا من غيرهم، لأنَّ مجالسهم، ليست مجالس دينيَّة أبدًا، بل وبدقة العبارة مجالس كرديَّة، فهم لدى دعوتنا إيَّاهم، لا يرسلون برقيات ضد البرزاني، إنَّما يرسلون ضد سفك دماء المسلمين، وأي قول هذا القول!
7- ضرب الأكراد في بعضهم، وهذا سهل، وقد يكون ميسورًا بإثارة من يدَّعون منهم بأنَّهم من أصول عربيَّة، على العناصر الخطرة منهم، كما يكشف هذا العمل أوراق من يدَّعون بأنَّهم عربًا.
8- إسكان عناصر عربيَّة وقوميَّة في المناطق الكرديَّة على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بنفس الوقت على الأكراد، ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكونَ هذه من “شَمَّر” لأنَّهم أولًا من أفقر القبائل بالأرض، وثانيًا مضمونين قوميًّا مئة بالمئة.
9- جعل الشَّريط الشَّمالي للجزيرة منطقة عسكريَّة كمنطقة الجبهة، بحيث توضع فيها قطعات عسكريَّة مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد، وفق ما ترسم الدَّولة من خطَّة.
10- إنشاء مزارع جماعيَّة للعرب الَّذين تسكنهم الدَّولة في الشَّريط الشَّمالي، على أن تكون هذه المزارع مدربَّة ومسلَّحة عسكريًّا كالمستعمرات اليهوديَّة على الحدود تمامًا.
11- عدم السَّماح لمن لا يتكلَّم اللُّغة العربيَّة بأن يمارس حقَّ الانتخاب والتَّرشيح في المناطق المذكورة.
12- منع إعطاء الجنسيَّة السُّوريَّة مطلقًا لمن يريد السَّكن في تلك المنطقة، مهما كانت جنسيته الأصلية (عدا الجنسيَّة العربيَّة) …إلخ. هذا، وإن هذه المقترحات ليست كافية، بل أردنا منها إثارة المسؤولين بحسب خبرتنا، لتكون تباشير مشروع خطَّة جذريَّة شاملة، لتؤخذ للذكرى بعين الاعتبار.
وثارت ثائرة الأكراد على هذا التَّقرير فمنهم من قال إنَّ ما تمَّ يخالف بنود الإعـلان العالمي لحقـوق الإنسان، ومنهم من قال: إنَّ ذلك يخالف قانـون الجنسيَّة السُّوريَّة
ونناقش بنود المقترحات على ضوء القانون السوري أنداك:
البند الأوَّل والثَّاني الَّذي تضمن التَّهجير للداخل والتَّجهيل / وباعتبار أنَّ هؤلاء الأشخاص مهاجرون بالأصل ونتيجة الأحداث الَّتي وقعت منهم والعصيانات الَّتي قاموا بها ومطالباتهم المتكرر بفصل الجزيرة عن الدَّولة السُّوريَّة الأمِّ، شكَّل لدى الدَّولة حالة عدم الاطمئنان من هؤلاء المهاجرين / وإنَّ هـذين المقترحين جاءا للحفاظ على أمن وسلامة الأرض السُّوريَّة من الاقتطاع، وهذا الأمر نصَّت عليه كافَّة الدَّساتير السُّوريَّة المتعاقبة وكذلك كافَّة دساتير العالم.
أمَّا البند الثَّالث فهذا من بديهيات الإجراءات القانونيَّة لأنَّه ليس من المعقول أن يُوجد أشخاص يحملون الجنسيَّة بطريق غير مشروع أو جنسيَّات متعدِّدة، ولا يُوجد دولة في العالم تقبل بهكذا ولو رجعنا إلى قوانين الجنسيَّة في مختلف دول العالم سجـد هناك أربعة شروط مجمعين عليها لمنح الجنسـيَّة وهي (التَّحدث بلغـة الدَّولة الَّتي تطلب جنسيتها، وأن يكون سجلُّ الشَّخص خالي من الإجرام، ومعرفته تاريخ البلـد وقيمه ورموزه، وقسم الإخلاص لهذا البلد).
أمَّا موضوع مقترح الإجلاء فكان من الأنسب أن يدقَّق فيه لأنَّه ليس من المنطق أن يرحَّل إنسان إلى موطنه الأصلي، ويوجد خطر على حياته من تلك الدَّولة وكان يتوجَّب أن يكون المقترح بتصنيفهم ومن يثبت الخوف على حياته أن يعامل معاملة اللاجئ. وجاء في المادَّة31 من الاتِّفاقية الخاصَّة بوضع اللَّاجئين الَّتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتَّحدة للمفوضين بشأن اللَّاجئين وعديمي الجنسيَّة يوم (28 تمُّوز / يوليه 1951 م): اللَّاجئون الموجودون بصورة غير مشروعة في بلد الملجأ:
1- تمتنع الدُّول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائيَّـة، بسبب دخـولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللَّاجئين الَّذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حرِّيتهم مهدَّدة بالمعنى المقصود في المادَّة 1، شريطة أن يقدِّموا أنفسهم إلى السُّلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني.
2- تمتنع الدَّول المتعاقدة عن فرض غير الضَّروري من القيود على تنقلات هؤلاء اللَّاجئين، ولا تطبق هذه القيود إلَّا ريثما يسوي وضعهم في بلد الملاذ أو ريثما يقبلون في بلد آخـر. وعلى الدَّول المتعاقـدة أن تمـنح اللَّاجئين المذكورين مهلة معقولة، وكذلك كلَّ التَّسهيلات الضُّروريَّة ليحصلوا على قبول بلد آخر بدخولهم إليه.
أمَّا البند الرابع والخامس والسَّادس فهذه في غير محلِّها القانوني وهناك طرق كثيرة وضمن القانون وباستطاعة الدَّولة القيام بها لحلِّ تلك المشكلة وإنَّ سياسة التَّجويع واثارة الفتن وما شابه ذلك منافية لمنطق الدَّولة.
وأمَّا البند الثَّامن والتَّاسع والعاشر فهي تدخل في سياق العمل التَّنظيمي الَّذي تقوم به الدَّولة داخل حدودها ولا سيَّما إذا كان الأمر يتعلق باستقرار الأمن وحماية أراضي الدَّولة، وباعتبار أنَّ الأرض والَّتي ليست ملك خاص فهي ملك للدَّولة ولها الحقُّ أن تعطي من تشاء من أراضيها ولمواطنيها وإنشاء أي تجمُّع سكَّاني
والبند الحادي عشر والثَّاني عشر فهي مخالفة للدِّستور والقانون، فطالما الشَّخص الموجود على الأراضي السُّوريَّة ويحمل جنسيتها فله حقوق وواجبات بقيَّة المواطنين، وإذا كان لا يتكلَّم العربيَّة فهنا يكمن الخلل في طريقة منحها، وإنَّ أي دولة ومنها سوريَّة لا تمنح جنسيَّة دولتها لمن لا يلمُّ بالقراءة والكتابة للغتها وبالتَّالي كان الأفضل أن يقدَّم المقترح بإعادة دراسة منح جنسيَّة الَّذي لا يجيد العربيَّة، وأمَّا موضوع عدم إعطاء الجنسية لمن يريد السَّكن في تلك المنطقة فليس هناك أي مستند قانوني يقيِّد حرَّية التَّنقل أو الإقامة في منطقة ما من الأراضي السُّوريَّة وطالما منح الجنسيَّة فإنَّ كافَّة الحقوق والواجبات ترتَّبت له وعليه، وإذا بدرت من هذا الشَّخص أي أعمال تخالف القوانين السورية فهناك عقوبات تطبق عليه.
هذه باختصار بعض الملاحظات على هذا التَّقرير، والَّذي نعتبره مـحقًا في جزء منه ونرى أنَّ هذا الضَّابط كان يسـتقرئُ المستقبل وما نشهده اليوم مـن أعمـال تقوم بها مجموعات كرديَّة من تهجير لبعض القرى العربيَّة وحرق الممتلكات وتشكيل الكيانات الانفصاليَّة والقيام بالإجراءات الَّتي تمهِّد الطَّريق لاقتطاع جزء من الأرض السُّوريَّة يعيدنا إلى فترات العصيان والقتل والسَّلب والنَّهب الَّتي حدثت في الثُّلث الأوَّل من القرن العشرين في الحسكة والَّتي أجبرت الحكومة آنذاك للقيام بإجراءات لقطع الطَّريق على تلك الفئة الَّتي قامت بالعصيان، وكان يفترض بها أن تتخذ إجراءات أكثر حزمًا وأن تعرِّي دولة الانتداب فرنسا آنذاك، والَّتي كان لها الدَّور الأبـرز لما حـدث وما توصلنا إليه اليوم من أحداث في تلك المناطق من سوريتنا، أمَّا ملاحظاتنا على من لـجؤوا إلى مواد إعلان حقوق الإنسان والدُّستور، فإن استنادهم هذا جاء في غير محلِّه باعتبار أنَّ المادَّة الثَّانية من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تتحدَّث عن الإنسان الَّذي يحمل جنسيَّة بلد والحقوق المتوجبة له ضمن هذا البلد، وإنَّنا نسأل من استند إلى هذا البند هل تقبل أي دولة أو أيُّ إنسان أن يدخل إلى دولة ثانية لا ينتمي إليها ويمارس حرَّيته فيها كيفما يشاء، وطالما الإنسان الكـردي والَّذي دخل إلى هذه البلاد وطالب بمنحه الجنسيَّة السُّوريَّة فالواجب عليه أن يلتزم بشروط قانون منح الجنسيَّة وما ينص عليـه دستورها وكافَّة قوانينها، وإذا أرادت فئـة أن تستحصل على بعض المـيِّزات فإنَّ ذلك يـأتي ضمن المطالبات، والدَّولة ليست ملزمة بتنفيذ أي مطلب يقدَّم لها، وإنَّ تحقيق المطالب يدخل ضمن سياسة الدَّولة ومصالحها.
ولا ننسى إنَّ قسم ممَّا اقترحه محمَّد طلب هلال كان قد سبقه في ذلك العلَّامة المشهور محمَّد كرد علي وزير المعارف السُّوري الَّذي زار الجزيرة عام (1933 م) وأعد تقريرًا عن أوضاع تلك المناطق وذكر الأقليَّات المهاجرة آنذاك وقـدم اقتراحات في تقريره ومن جملتها نقل الأكراد من الحدود نحو داخل سوريَّة لتسهيل الاندماج بالمجتمع.


1- أن تعمد الدَّولة إلى عمليات التَّهجير إلى الدَّاخل، مع التَّوزيع في الدَّاخل، ومع ملاحظة عناصر الخطر أولًا فأوَّل ولا بأس أن تكون الخطَّة ثنائية وثلاثية السِّنين، تبدأ بالعناصر الخطرة لتنتهي إلى العناصر الأقلَّ خطورة… وهكذا.
2- سياسة التَّجهيل: أي عدم إنشاء مدارس، أو معاهد علميَّة في المنطقة لأنَّ هذا أثبت عكس المطلوب بشكل صارخ وقوي.
3- إنَّ الأكثريَّة السَّاحقة من الأكراد المقيمين في الجزيرة، يتمتَّعون بالجنسيَّة التُّركيَّة. فلابدَّ لتصحيح السِّجلَّات المدنيَّة، وهذا يجري الآن، إنَّما نطلب أن يترتَّب على ذلك إجلاء كلِّ من لم تثبت جنسيته، وتسليمه إلى الدَّولة التَّابع لها. أضف إلى ذلك يجب أن يدرس من تثبت جنسيته دراسة معقولة، وملاحظة كيفية كسب الجنسيَّة، لأنَّ الجنسيَّة لا تكسب إلا بمرسوم جمهوري. فكلُّ جنسية ليست بمرسوم، يجب أن تناقش، تبقي من تبقي، أي الأقلِّ خطرًا، وتنزع من تنزع عنه الجنسيَّة، لنعيده بالتَّالي إلى وطنه. ثمَّ هناك تنازع الجنسيَّات، فإنَّك تجد أحدهم يحمل جنسيتين في آن واحد، أو قل ثلاث جنسيَّات، فلابدَّ والحالة هذه أن يُعاد إلى جنسيَّته الأولى وعلى كلِّ حال، فالمهم ما يترتَّب على ذلك الإحصاء والتَّدقيق من أعمال حيث يجب أن تقوم فورًا عمليات الإجلاء.
4- سدُّ باب العمل لابدَّ لنا أيضًا مساهمة في الخطَّة من سدِّ أبواب العمل أمام الأكراد حتَّى نجعلهم في وضع، أولًا غير قادر على التَّحرك، وثانيًا في وضع غير المستقر المستعد للرَّحيل في أيَّة لحظة، وهذا يجب أن يأخذ به الإصلاح الزِّراعي، أولًا في الجزيرة، بأن لا يؤجَّر، ولا يملك الأكراد، والعناصر العربيَّة كثيرة وموفورة بحمد الله.
5- شن حملة من الدعاية الواسعة بين العناصر العربية ومركّزة على الأكراد، بتهيئة العناصر العربية أولًا لحساب ما، وخلخلة وضع الأكراد ثانيًا، بحيث يجعلهم في وضع غير مستقر.
6- نزع الصِّفة الدِّينيَّة عن مشايخ الدِّين عند الأكراد، وإرسال مشايخ بخطَّة مرسومة عربًا أقحاحًا، أو نقلهم إلى الدَّاخل، بدلًا من غيرهم، لأنَّ مجالسهم، ليست مجالس دينيَّة أبدًا، بل وبدقة العبارة مجالس كرديَّة، فهم لدى دعوتنا إيَّاهم، لا يرسلون برقيات ضد البرزاني، إنَّما يرسلون ضد سفك دماء المسلمين، وأي قول هذا القول!
7- ضرب الأكراد في بعضهم، وهذا سهل، وقد يكون ميسورًا بإثارة من يدَّعون منهم بأنَّهم من أصول عربيَّة، على العناصر الخطرة منهم، كما يكشف هذا العمل أوراق من يدَّعون بأنَّهم عربًا.
8- إسكان عناصر عربيَّة وقوميَّة في المناطق الكرديَّة على الحدود، فهم حصن المستقبل، ورقابة بنفس الوقت على الأكراد، ريثما يتم تهجيرهم، ونقترح أن تكونَ هذه من “شَمَّر” لأنَّهم أولًا من أفقر القبائل بالأرض، وثانيًا مضمونين قوميًّا مئة بالمئة.
9- جعل الشَّريط الشَّمالي للجزيرة منطقة عسكريَّة كمنطقة الجبهة، بحيث توضع فيها قطعات عسكريَّة مهمتها إسكان العرب، وإجلاء الأكراد، وفق ما ترسم الدَّولة من خطَّة.
10- إنشاء مزارع جماعيَّة للعرب الَّذين تسكنهم الدَّولة في الشَّريط الشَّمالي، على أن تكون هذه المزارع مدربَّة ومسلَّحة عسكريًّا كالمستعمرات اليهوديَّة على الحدود تمامًا.
11- عدم السَّماح لمن لا يتكلَّم اللُّغة العربيَّة بأن يمارس حقَّ الانتخاب والتَّرشيح في المناطق المذكورة.
12- منع إعطاء الجنسيَّة السُّوريَّة مطلقًا لمن يريد السَّكن في تلك المنطقة، مهما كانت جنسيته الأصلية (عدا الجنسيَّة العربيَّة) …إلخ. هذا، وإن هذه المقترحات ليست كافية، بل أردنا منها إثارة المسؤولين بحسب خبرتنا، لتكون تباشير مشروع خطَّة جذريَّة شاملة، لتؤخذ للذكرى بعين الاعتبار.
وثارت ثائرة الأكراد على هذا التَّقرير فمنهم من قال إنَّ ما تمَّ يخالف بنود الإعـلان العالمي لحقـوق الإنسان، ومنهم من قال: إنَّ ذلك يخالف قانـون الجنسيَّة السُّوريَّة
ونناقش بنود المقترحات على ضوء القانون السوري أنداك:
البند الأوَّل والثَّاني الَّذي تضمن التَّهجير للداخل والتَّجهيل / وباعتبار أنَّ هؤلاء الأشخاص مهاجرون بالأصل ونتيجة الأحداث الَّتي وقعت منهم والعصيانات الَّتي قاموا بها ومطالباتهم المتكرر بفصل الجزيرة عن الدَّولة السُّوريَّة الأمِّ، شكَّل لدى الدَّولة حالة عدم الاطمئنان من هؤلاء المهاجرين / وإنَّ هـذين المقترحين جاءا للحفاظ على أمن وسلامة الأرض السُّوريَّة من الاقتطاع، وهذا الأمر نصَّت عليه كافَّة الدَّساتير السُّوريَّة المتعاقبة وكذلك كافَّة دساتير العالم.
أمَّا البند الثَّالث فهذا من بديهيات الإجراءات القانونيَّة لأنَّه ليس من المعقول أن يُوجد أشخاص يحملون الجنسيَّة بطريق غير مشروع أو جنسيَّات متعدِّدة، ولا يُوجد دولة في العالم تقبل بهكذا ولو رجعنا إلى قوانين الجنسيَّة في مختلف دول العالم سجـد هناك أربعة شروط مجمعين عليها لمنح الجنسـيَّة وهي (التَّحدث بلغـة الدَّولة الَّتي تطلب جنسيتها، وأن يكون سجلُّ الشَّخص خالي من الإجرام، ومعرفته تاريخ البلـد وقيمه ورموزه، وقسم الإخلاص لهذا البلد).
أمَّا موضوع مقترح الإجلاء فكان من الأنسب أن يدقَّق فيه لأنَّه ليس من المنطق أن يرحَّل إنسان إلى موطنه الأصلي، ويوجد خطر على حياته من تلك الدَّولة وكان يتوجَّب أن يكون المقترح بتصنيفهم ومن يثبت الخوف على حياته أن يعامل معاملة اللاجئ. وجاء في المادَّة31 من الاتِّفاقية الخاصَّة بوضع اللَّاجئين الَّتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتَّحدة للمفوضين بشأن اللَّاجئين وعديمي الجنسيَّة يوم (28 تمُّوز / يوليه 1951 م): اللَّاجئون الموجودون بصورة غير مشروعة في بلد الملجأ:
1- تمتنع الدُّول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائيَّـة، بسبب دخـولهم أو وجودهم غير القانوني، على اللَّاجئين الَّذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حرِّيتهم مهدَّدة بالمعنى المقصود في المادَّة 1، شريطة أن يقدِّموا أنفسهم إلى السُّلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانوني.
2- تمتنع الدَّول المتعاقدة عن فرض غير الضَّروري من القيود على تنقلات هؤلاء اللَّاجئين، ولا تطبق هذه القيود إلَّا ريثما يسوي وضعهم في بلد الملاذ أو ريثما يقبلون في بلد آخـر. وعلى الدَّول المتعاقـدة أن تمـنح اللَّاجئين المذكورين مهلة معقولة، وكذلك كلَّ التَّسهيلات الضُّروريَّة ليحصلوا على قبول بلد آخر بدخولهم إليه.
أمَّا البند الرابع والخامس والسَّادس فهذه في غير محلِّها القانوني وهناك طرق كثيرة وضمن القانون وباستطاعة الدَّولة القيام بها لحلِّ تلك المشكلة وإنَّ سياسة التَّجويع واثارة الفتن وما شابه ذلك منافية لمنطق الدَّولة.
وأمَّا البند الثَّامن والتَّاسع والعاشر فهي تدخل في سياق العمل التَّنظيمي الَّذي تقوم به الدَّولة داخل حدودها ولا سيَّما إذا كان الأمر يتعلق باستقرار الأمن وحماية أراضي الدَّولة، وباعتبار أنَّ الأرض والَّتي ليست ملك خاص فهي ملك للدَّولة ولها الحقُّ أن تعطي من تشاء من أراضيها ولمواطنيها وإنشاء أي تجمُّع سكَّاني
والبند الحادي عشر والثَّاني عشر فهي مخالفة للدِّستور والقانون، فطالما الشَّخص الموجود على الأراضي السُّوريَّة ويحمل جنسيتها فله حقوق وواجبات بقيَّة المواطنين، وإذا كان لا يتكلَّم العربيَّة فهنا يكمن الخلل في طريقة منحها، وإنَّ أي دولة ومنها سوريَّة لا تمنح جنسيَّة دولتها لمن لا يلمُّ بالقراءة والكتابة للغتها وبالتَّالي كان الأفضل أن يقدَّم المقترح بإعادة دراسة منح جنسيَّة الَّذي لا يجيد العربيَّة، وأمَّا موضوع عدم إعطاء الجنسية لمن يريد السَّكن في تلك المنطقة فليس هناك أي مستند قانوني يقيِّد حرَّية التَّنقل أو الإقامة في منطقة ما من الأراضي السُّوريَّة وطالما منح الجنسيَّة فإنَّ كافَّة الحقوق والواجبات ترتَّبت له وعليه، وإذا بدرت من هذا الشَّخص أي أعمال تخالف القوانين السورية فهناك عقوبات تطبق عليه.
هذه باختصار بعض الملاحظات على هذا التَّقرير، والَّذي نعتبره مـحقًا في جزء منه ونرى أنَّ هذا الضَّابط كان يسـتقرئُ المستقبل وما نشهده اليوم مـن أعمـال تقوم بها مجموعات كرديَّة من تهجير لبعض القرى العربيَّة وحرق الممتلكات وتشكيل الكيانات الانفصاليَّة والقيام بالإجراءات الَّتي تمهِّد الطَّريق لاقتطاع جزء من الأرض السُّوريَّة يعيدنا إلى فترات العصيان والقتل والسَّلب والنَّهب الَّتي حدثت في الثُّلث الأوَّل من القرن العشرين في الحسكة والَّتي أجبرت الحكومة آنذاك للقيام بإجراءات لقطع الطَّريق على تلك الفئة الَّتي قامت بالعصيان، وكان يفترض بها أن تتخذ إجراءات أكثر حزمًا وأن تعرِّي دولة الانتداب فرنسا آنذاك، والَّتي كان لها الدَّور الأبـرز لما حـدث وما توصلنا إليه اليوم من أحداث في تلك المناطق من سوريتنا، أمَّا ملاحظاتنا على من لـجؤوا إلى مواد إعلان حقوق الإنسان والدُّستور، فإن استنادهم هذا جاء في غير محلِّه باعتبار أنَّ المادَّة الثَّانية من الإعلان العالمي لحقوق الانسان تتحدَّث عن الإنسان الَّذي يحمل جنسيَّة بلد والحقوق المتوجبة له ضمن هذا البلد، وإنَّنا نسأل من استند إلى هذا البند هل تقبل أي دولة أو أيُّ إنسان أن يدخل إلى دولة ثانية لا ينتمي إليها ويمارس حرَّيته فيها كيفما يشاء، وطالما الإنسان الكـردي والَّذي دخل إلى هذه البلاد وطالب بمنحه الجنسيَّة السُّوريَّة فالواجب عليه أن يلتزم بشروط قانون منح الجنسيَّة وما ينص عليـه دستورها وكافَّة قوانينها، وإذا أرادت فئـة أن تستحصل على بعض المـيِّزات فإنَّ ذلك يـأتي ضمن المطالبات، والدَّولة ليست ملزمة بتنفيذ أي مطلب يقدَّم لها، وإنَّ تحقيق المطالب يدخل ضمن سياسة الدَّولة ومصالحها.
ولا ننسى إنَّ قسم ممَّا اقترحه محمَّد طلب هلال كان قد سبقه في ذلك العلَّامة المشهور محمَّد كرد علي وزير المعارف السُّوري الَّذي زار الجزيرة عام (1933 م) وأعد تقريرًا عن أوضاع تلك المناطق وذكر الأقليَّات المهاجرة آنذاك وقـدم اقتراحات في تقريره ومن جملتها نقل الأكراد من الحدود نحو داخل سوريَّة لتسهيل الاندماج بالمجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى