مقالات

السعودية تغرق في بحر أوهامها

خالد محفوظ

كاتب وإعلامي عراقي
عرض مقالات الكاتب

تمتلك السعودية كل المؤهلات الجغرافية والروحانية والإقتصادية للعب أدوار هامة وملموسة اقليمياً وحتى عبر البحار، لكن الدولة العربية الغنية تفتقد على ما يبدو للأهم وهو القدرات البشرية التي تستطيع تسيير أمورها بالشكل الذي يحقق مصالحها أولا ويحفظ حقوق دول المنطقة ثانياً ويجنب العاصمة الدينية لمليار ونصف المليار مسلم المخاطر الجسيمة التي تحيط بها من كل جانب اليوم .

ربما يتصور البعض أن مشكلة السعودية تكمن في رغبتها بالحفاظ على صولجان الزعامة الدينية لكونها تضم العتبات المقدسة ، وأن هناك من ينازعها على هذه الزعامة وخصوصاً تنظيمات الإسلام السياسي وهو ما جعل الرياض تقع في فخاخ العداء لدول هامة ومؤثرة في محيطها ، وهذه الفكرة المسيطرة على العقلية الحاكمة في السعودية جعلها تضع بيضها في سلة واحدة وترتمي بشكل كامل في الحضن الأمريكي ، هذا الارتماء الذي كلف دول أساسية مجاورة للملكة أو قريبة منها أثماناً باهضة جداً ، لاسيما بعد الدعم والتأييد المطلق لأحتلال العراق ٢٠٠٣ وهو الأمر الذي أدى لتغييرات جيوسياسية وديموغرافية وبنيوية سلبية جداً على المنطقة وكانت الرياض أحد أكبر الخاسرين في المعادلة التي فشلت في فك أسرارها بسبب سطحيتها في التعامل السياسي مع ما يحيط بها من ظروف وعدم قدرتها على تلبية متطلبات المستجدات الآنية والمستقبلية فبقيت متقوقعة في قالب أيدلوجي تجاوزه الزمن .

اليوم وببساطة شديدة يلمس أي مواطن عادي وليس المتخصص فقط حجم المأزق السعودي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ، بنظرة سريعة لحجم التمدد والنفوذ الذي بلغته غريمتها التقليدية إيران والتي تتمحور السياسات المفترضة والمعلنة للرياض أنها تعمل على مواجهتها والحد منها ، سنعرف جيداً حجم المستنقع الذي غرست المملكة أقدامها فيه ، فبعد أن تخلت عن سياستها الناعمة التي طالما عرفت بها وقررت تولي الشق العسكري بنفسها في معركة اليمن ، فشلت في عملياتها وبعد أكثر من أربع سنوات حرب ها هي تتحول من الهجوم إلى الدفاع وتقف على مشارف هزيمة حقيقية أمام ميليشيا من الجهلة والمتخلفين تدار من خلف الحدود .

على المستوى السياسي لم تستطع الرياض توظيف علاقاتها مع باكستان الفقيرة ومصر الباحثة عن الرز وغيرهما في الزج بهما أولا في حرب اليمن وثانياً في تكوين الناتو الإسلامي الذي أعلنت عنه وظهر أنه مجرد حبر على ورق لتفشل بعدها في تشكيل قوة الردع العربية التي سوقت لها ببهرجة إعلامية قبل أن تتلاشى بمرور الأشهر وعلى العكس تواجه المملكة اليوم رأياً عالمياً مضاداً وخصوصاً ولي عهدها الذي يتهمهُ الكثير بأنه يقف خلف ما يجري في العائلة الحاكمة بسبب تفرده بالقرار وقلة خبرته وتصرفاته غير المنضبطة .

الأندفاع السعودي نحو العراق الذي يسميه البعض بالانفتاح معروف أنه يتم بضغوط أمريكية وهو يعكس ضعف سياسي بالغ في العلاقات الخارجية للرياض كون بغداد اليوم وكما يعلم الجميع خاضعة للنفوذ الإيراني التام وبالتالي فأن أي تعامل مع الحكومة العراقية يعني تعاملا غير مباشر لكن غير سري مع طهران التي قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية معها، وهذا معناه أن السعودية أرادت إغلاق الباب مع إيران فأجبرتها أمريكا على العودة من الشباك وهذا بحد ذاته فشل على المستوى الأستراتيجي في العلاقات الدولية كما يُعرفه علم السياسة ، بل إن فصائل مغطاة من (الحكومة) العراقية صارت تهاجم بالطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية مصالح اقتصادية ومنشأت حيوية داخل بلاد الحرمين ، دون أن تتجرأ المملكة عن الاعتراض ولو بكلمة ، ولولا إعلان الأمريكان أنفسهم عن مصدر هذه الهجمات لما علم العالم اصلاً بحقيقة الأمر .

اقتصادياً فأن الرئيس الأمريكي ترامب مُصر على سحب آخر دولار من جيوب حكام الرياض وبطريقة مهينة لأنه يُكرر وبشكل شبه يومي في خطاباته وتغريداته بأنه يجب على السعودية أن تدفع مقابل حمايتها وأنه يجب عليها أن توافق على كل طلباتنا ثم يختم كلامه بالقول و(ستفعل) ، يحدث هذا دون أي ردود فعل من المسؤولين السعوديين ، هل توجد إهانة اكبر من هذه ؟

السياسات الخاطئة لأصحاب القرار في المملكة جعلت من الرياض عاجزة الى حد كبير ومغلولة اليد واخذها للغرق في بحر من الوهم ليس له حدود ، بل ودون مبالغة جعل هذه الدولة أضحوكة في المشهد الدولي بسبب سوء إدارتها للمشاكل التي تعترض مسيرتها .

يجب على الدولة الخليجية أن تدرك وبسرعة مقدار التحولات التي تجري في العالم وأن أمورا هامشية مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة وافتتاح سينما وإجراء بعض الحفلات الغنائية لن تجعل المملكة الغنية تواكب العالم .

متى ستفكر السعودية بأنها لا تمثل نفسها بل تمثل عمقها الإسلامي والعربي وأنها بذلك تتحمل مسؤولية الدفاع عن هذه المعتقدات وليس عن مصالحها فقط ، ومتى ستشعر بأن ألتقاط الصور والرقص بالسيوف والابتسامات الكاذبة لن تحقق شيء على الأرض وأن الواقع يقول أمور كثيرة غير تلك التي تظهر في الإعلام السعودي الهزيل ، بالنسبة لنا المملكة كدولة أو كعائلة حاكمة لا تعني أي شيء ، لكن قيمتها عندنا هي عاصمة الإسلام وبالتالي هي من يجب أن يكون حائط الصد الأول في الدفاع عن الدين الحنيف في وجه حملات التشويه والإساءة الشرسة التي يتعرض لها وهذا الدور ليس خياراً لها بل واجباً عليها ، لاسيما وأن الباري عز وجل رزق الرياض بكل المقومات المادية والمعنوية للقيام بهذا العمل وإلا فأن التنحي جانباً وترك المهمة لمن هو أهل للقيام بها أصبح أمرا يجب التفكير به اليوم أكثر من أي وقت مضى .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى