مقالات

ضريبة التحوّل العربي

حسين الهاروني

باحث سوري من الجولان المحتل.
عرض مقالات الكاتب

إنّ استعادة الهوية والكرامة والحقوق المسلوبة هي عناوين التحوّل الأكبر في العالم العربي، التحول العميق الذي نقل الشعوب من مرحلة القبول بالأمر الواقع إلى مرحلة الفعل والتضحية، لقد فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991 بالانتخابات التشريعية الجزائرية فوزاً ساحقاً ثم قامت أذرع فرنسا الخفية بإسم الجيش بإلغاء نتائج الإنتخابات واعتقال قيادات الجبهه وحتى لايأتي دجاجلة أيامنا هذه ليقولوا أنهم إخوان مع العلم أنّ الإخوان ليسوا إرهابيين بل هم من نسيج هذه الشعوب وليسوا دخلاء عليها مثل داعش او شقيقاتها ويمكن العودة للوثائق ومعرفة أنّهم تجمّع تنظيمات وأحزاب مختلفة ذات توجه إسلامي من بينها الإخوان مايعني أنّه توجه شعبي يعبر عن حقيقة تطلعات الشعب الجزائري وهذا هو لبّ الموضوع ،ثم مرت مراحل مختلفة اجبر فيها العسكر الشاذلي بن جديد على التنحي ثم اغتالوا محمد بوضياف لوقف مشروع الأمة وتنفيذ مشروع فرنسا “العسكر” ثم تلا ذلك العمل الاستخباري الفرنسي بالتعاون مع أجرائه في الجيش ماسُمّي “عشرية الدم” بعمل الجرائم ضد الشعب الجزائري في المدن والقرى والأرياف ونسبتها إلى الإسلاميين والتي استمرّت قرابة عشر سنوات محققاً بذلك عدة أهداف أولها لصق تهمة الإرهاب بالإسلاميين وتنفير الشعب الجزائري منهم وتصوير الجيش على أنّه المخلّص، وكذلك فاز الاسلاميون بانتخابات المغرب التشريعية عام 2011 بشكل ساحق لكن مع وجود قيادات مترهلة هي أقرب في مواقفها إلى السلطة منها إلى الشعب وتطلعات الشعب فكانت في خدمة السلطة ولم تقدّم شيئاً لمن انتخبها ،وكذلك كانت نتيجة الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 التي أسفرت عن فوز ساحق للإسلاميين فانقلبت عليها السلطة الفلسطينية ورفضت نتائجها فتم طرد أتباع السلطة من غزة وتم تكريس الانقسام الفلسطيني نتيجة رفض إرادة الشعب من قبل القوى المسيطرة .
وغنيّ عن القول أيضا أنّ الإسلاميين في الأردن قد فازوا في كل انتخابات يجريها الأردن رغم بهاتة لون قياداتهم التي غالبًا ما كانت تتسبب في احتوائهم وتقويض وجودهم لحساب السلطة في مناسبات مختلفة ؛ وغني عن القول أيضا: إن الجهد الاستخباري الغربي في هذه المنطقة اعلى منه في مناطق أخرى واكثر أهمية.
أمّا في مصر فلا تخطئ العين حجم الجريمة التي ارتكبت بحق إرادة الشعب والانقلاب على الرئيس الشرعي الوحيد في تاريخ مصر والتي شاركت فيها قوى إقليمية ودولية عاتية في الارتداد على رغبة وطموح الشعب وتوجهه الإسلامي وكسر إرادته وإيقاعه تحت احتلال عسكري داخلي يدار من جهات خارجية عالمية لاتخفى على أحد لا هي ولا مصالحها.

وهذا بالضبط مانراه الآن في الجزائر والسودان من كسر متعمّد لإرادة الشعوب لمصلحة جنرات الجيش وارتباطاتهم الخارجية لاغير، متجاوزين كل مصالح الشعوب وتطلعاتها.

وكذا الحال في ليبيا واليمن والعراق وسورية هو التوجه نفسه والإرادة الشعبية العامة نفسها والخيار الإنساني الواضح هو نفسه الذي يقابل بالإجرام والإنكار والاستنكار والقتل والتآمر وسحق الإرادة وتدمير المدن وقتل الناس وتفكيك المجتمع والتغيير الديمغرافي والتهجير !

جملة القول :إنّه في أحوال العرب اليوم نعيش تحوّلاً تاريخيّاً كبيراً نحو الحرّيّة وحقوق الإنسان وهو ليس بسهولة الكلام عنه بالطبع فهو تحوّل يرافقه بحر من الدماء والتضحيات والعذابات بسبب تعنت الأنظمة وإجرامها ومؤامراتها ودسائها ومخابراتها وتمويلها للخراب والمخربين وحجم المصالح الدولية المتداخلة في هذه المنطقة والتي ستتأثر بهذا التحوّل عاجلاً أم آجلا ، ولاشك أنّ طبيعة مجتمعاتنا وأكثريّتها المسلمة تعني أنّ أحد هذه الحقوق المطلوب إستعادتها والتي قدّمت الشعوب رأيها عنها في صناديق الاقتراع وبالطرق المشروعة هو حقّ ممارسة العقيدة الحقيقية دون تسطيح ودون إفراط أو تفريط ودون وصايةٍ من دولة أو مُفتٍ مُستَأجَر للحاكم أو مؤسسة دينية تابعه للسلطة وهو ماسيثمر عن التجديد الحقيقي لروح العقيدة واعادة الحياة إليها في نفوس الناس بمنظومتها الاخلاقية الرائدة والتعاطي مع نصوص العقيدة وفق واقعنا الحاليّ وليس الافتراء على أصول العقيدة كما يفعل “المجدّفون” فيها اليوم باسم التجديد الديني وهو حقّ مطلوب وسِمة مميزة لهذه المنطقة وشعوبها وهو جزء ثابت من الهوية إن لم يكن كلها بالنسبة للمسلمين العرب ، والمفتونون بيننا اليوم هم الذين لايستطيعون التمييز بسهولة بين الحق وبين الباطل ،بين هذين الفريقين أو الجهتين أو الاتجاهين ،بين قوى الجهل من عسكر وانظمة واتباع ،قوى الظلامية الحقيقية، قوى الماضي المفضوحة المتآكلة المجرمة العميلة المتخلفة ومن يدعمها من إحتلالات ومصالح دوليّة نافذة وشُرّاب النفط من بكين الى واشنطن من جهة وبين قوى النور والمستقبل قوى الانسان والبصيرة والحرية والعقل والتحرّر من جهة أخرى وهذا مردّه إلى ضعف البصيرة حيناً وضعف الانتماء والهوية حيناً وضعف الإيمان أحياناً،جهل الإنسان بهويته وبعقيدته فتختلط عليه الأمور ويضيع في المتاهة ويغوص في التفاصيل فينسى العناوين الرئيسية والنواميس الكاشفة والبوابات الواضحة ويتوه في زحمة الضائعين ،وفي الخلاصة يمكن القول إنّ العمل لمئة عام ماضية على نزع هويّة هذه الأمة وتغييب وعي أبنائها وتغريبها واسقاط عقيدتها فشل بالمطلق فشلا ذريعا رغم كل ماجُنِّد له من امكانيات هائلة وجيوش واحتلالات ومؤامرات وبات من الثابت ان المستحيل هو نزع هوية هذه الامة او تغيير هوية المنطقة لكنّ قيامتها مرتبطة بتوحيد جهود الاحرار من أبنائها بجميع توجهاتهم وفي كل أقطارهم فالوعاء الإسلامي يحفظ حقوق جميع الاقليات كما حفظ وجودهم خلال أربعة عشر قرناً ماضية دون مِنّةٍ ودون انتقاص ودون تغريب أو تطرّف أو مغالاة.
كذلك يمكن القول بشكل مؤكد إن الشعوب لاتطمح لدولة خلافة كما يصورها البعض ولا للتطرف كما يكذب آخرون وإنما تطمح الشعوب للحرية اولاً ونيل الحقوق ثانياً، والتعبير عن نفسها بحرية واقتدار ، وأن تكون بلدانها والأنظمة والقوانين التي تحكمها تعبر عن هويتها وقيمها لا أن تكون مفروضة او مستوردة وفق مزاج السلطة أو أفرادها او وفق رغبة أقليّة هنا أو جماعة هناك أو وفق رغبات تلك الدولة الخارجية هنا او هناك فنحن شعوب إسلامية ومجتمعات إسلامية ومن حقّنا الطبيعي ان نعيش هويتنا وأن نعبر عنها في بلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى