مقالات

الوثن الوهمي أو الدولة الوثن!

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

في قريش كان الكاهن يقول لعابدي الصنم : إن الصنم يطلب منكم بقرة حتى يلبي طلبكم!
وطبعا الصنم لا يتكلم، ومن يريد البقرة ويستفيد منها هو الكاهن!
ولو قال الكاهن للناس : أريد بقرة لي لما أعطاه اياها أحد , لذلك تكون الحيلة بإيجاد صنم يعبده الناس ويقدسونه ويموتون في سبيله ويعظمونه , ثم يتصدر الكاهن الحديث باسم الصنم ، ويدعو الناس لتقديس الصنم وتعظيم، حتى إذا طلب من عابدي الصنم شيئا باسم الصنم ، دفعوه للكاهن وهم فرحون بل ينتظرون من الكاهن ان يخبرهم بأن الصنم قد تقبل عطاءهم !

قبل الحرب العالمية الثانية، وفي خطاب لهتلر قال : إنه سيصنع للألمان إلهًا يعبدونه في الأرض بدل الله إنه الوطن الألماني  في سبيله يموتون ومن أجل عزته ورفعته يضحون!

طبعا الوطن وثن معبود من دون الله كالـــصنم  لا ينطق ومن يتحدث باسم الوطن هم السياسيون الذين يمثلون الكهان بالنسبة للصنم ، وعندما يطلبون من الناس التضحية للوطن فهم إنما يطلبون من الناس التضحية من أجلهم ومن أجل بقاء سلطانهم أسيادا على بسطاء الناس، والناس العابدة للوطن يملؤها الفرح ! بل تموت في سبيل الوطن فيلقي عليها السادة اسم (شهيد الوطن) بينما السادة لايموتون في سبيل الوطن ولا يجعلون ابناءهم يموتون في سبيل الوطن لأنهم هم الوطن ومن أجلهم يموت عابدو الوطن ، تسمع دائما كلمات ضخمة مثل :

خزانة الدولة – ممتلكات الدولة – أراضي الدولة – ھیبة الدولة – رئیس الدولة 
ویموت الجمیع كي لا تسقط الدولة.
ولا یوجد أحد یسأل نفسه: ما ھي الدولة  ؟ ما ھذا (المسمى الاعتباري) المقدس الذي تنسبون إلیه كل شيء ؟ 

الدولة ھي”وثن وھمي” تدعي وجوده مراكز قوى(الطاغوت) المغتصبة لسلطة الله ، والمستبدة بعباد الله، حتى تتستر وراء اسمه، بینما كلمة “الدولة” لا تعني عندھم في الحقيقة إلا “سلطتهم” ومراكز قوتهم !

وحتى یتقبل الناس فكرة الخضوع والإذعان لھم  فھم یدّعون دائما : أن كل ما یفعلونه لیس لأنفسھم وأسرهم، بل من أجل الدولة ومصلحة الوطن “.

یأخذون أموالك ویسرقون حقوقك ثم یدّعون  أنھم أخذوھا لأجل أن یوفروا أموالاً للدولة ومصلحة الوطن،  یھینونك شر إھانة ویستحلون دمك ثم یدعون أنھم یفعلون ذلك حفاظا على ھیبة الدولة ومصلحة الوطن،یستغلون الجنود في حفظ كراسیھم وسلطتھم ویزجون بھم في مواطن الموت ثم یدعون أنھم یحمون الدولة والوطن !!

إذ لو قالوھا صراحة: (نحن نقتلكم ونھینكم ونسلب اموالكم لأجل سلطتنا) لما تقبلھا أحد ! 
ثم إذا أرادوا أن یضفوا مزیدا من التقدیس والتعظیم على ھذا الوثن سموه باسمه الوطن المقدس،

على سبيل المثال فى مصر يجعلون الشعب يردد وراءھم:-
“نموت نموت وتحیا مصر ،نحن فداء لمصر ،عاشت مصر حرّة”
إذا كان مطلوباً من الشعب أن یموت لتحیا مصر !

فلنا ان نتساءل: ما هى مصر حتى يموت الشعب ويسجن ويهان من أجلها ؟! إذن فمصر لیست الشعب  ھل ھي الأرض ؟

إذا كانت الأرض فمن وضع حدودها ؟
وهي حدود تتغير على مرّ التاريخ والثابت الوحيد هو الاسم فقط؟ 
بل معظم حدود الأوطان الحاليه وضعها المستعمرون (الانجليز والفرنسيون) ولم يصنعها جدي وجدك !

ثم هب أننا اتفقنا على حدود الأرض  ، فھل الأرض ھي التي تمتلك الناس أم الناس ھم الذین یملكونھا ؟

إنكم يا سادة لا يملك معظمكم شقته التي يقطن فيها , ومن ملك ارضًا او شقة فانه يدفع عليها ضرائب لدولته وكأنه يستأجرها من رئيس الدولة وحزبه وحكومته! 
بل جميعنا يدفع في أرض الوطن ثمن قبره الذي سيدفن فيه !

فأين هي أرضكم التي تموتون في الدفاع عنها ؟ إنها “أراضي الدولة” لا أرض الأمة، أراض يوزعها كاهن الدولة (رئيس الدولة) على أعوانه واتباعه ليملك ولاءهم له ويعطيها لرجال الأعمال الفاسدین والمستثمرین الأجانب ليتكسب هو وحاشيته من منافعها كما تكسب كاهن قريش من البقرة ؟

إذا فالدولة اوالوطن ھي لیست الأرض !

فما المتبقى من معنى الدولة اوالوطن ليموت الناس دفاعا عنه ؟!!!

المتبقي يا ساده من مفهوم الدولة او الوطن ھم ببساطة: أصحاب السلطة ومراكز القوة !.

وأنت مطلوب منك أن تجوع ، وتتقبل الإهانة ، وتموت من أجل بقاء سلطتهم ونظامھم ،
من أجل أن تحقق مصالحھم في استمرار حكمهم ، ھذه الفكرة العلمانية الشيطانية الصنمیة الوثنية للدولة ، تتم تحت اسم الوطنیة، فالوطنیة التي یریدون زرعھا في اذهان الناس معبوداً من دون الله تأليهاً وتقديساً وتعظيماً ، ما هي إلا خضوع لسلطتھم واطماعهم بشعارات زائفة ويجعلون شريعتهم الوضعية العلمانية مكان شريعة الله حتى يسهل عليهم استعباد الناس المنتسبة الى الاسلام , ويتقبل الناس دين الملك وشريعته .

أمّا في دين الإسلام :

فالإنسان ھو محل الاهتمام، والحاكم هو خادمهم ، والمجتمع كان ھو المركز الذي تدور السلطة حوله، لذا كان الحاكم عند المسلمین الأوائل یسمى”أمیر المؤمنین” ولیس أمیر الدولة 
وكان یتلقى بیعات الناس عن رضا ، والبیعة عقد بینه وبین كل فرد في رعیته، والخزانة ھي”خزانة المسلمین” أو”بیت مال المسلمین” ولیست وزارة مالية الدولة! 
والمصالح”مصالح المسلمین”، والأراضي ھي”أراضي المسلمین” فمن أحيا أرضًا مواتًا فهي له، كل شيء مرتبط بالبشر وینسب للبشر، والبشر هم من يملكون الارض . 
الجمادات سُخرت للأحیاء ولیس العكس ! المجتمع بكل أفراده في الإسلام ھم محل الاهتمام،
ھم القوة،ھم المركز ، والله قد سخر الكون وشريعته لخدمة الانسان والحفاظ على ماله وعرضه ودمه ،في مقابل شرائع بشرية جعلت الرئيس وحاشيته هم المركز ،وسخر الحاكم شريعته لخدمته وخدمة حاشيته منتهكا أموال وأعراض ودماء عابدي الوطن الذين في حقيقتهم هم عابدون له .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى