أخبار عاجلة

إيران وأمريكا خطوات متأرجحة على حافة الهاوية





يمان دابقي*

عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق في 2003، لم تنتظر أي ذرائع من أطراف ثالثة، بل تم إنتاج روايات أمريكية مُفبركة أُلصقت ” بصدام حسين” نتج عنها تدمير العراق وتركه لقمة سائغة للإيرانيين، والتي ثبت عبر وثائق سرية تآمرها مع أمريكا في إسقاط العراق.

ومقارنة مع ما يجري اليوم من تسخين على الساحة الدولية بين أمريكا “ترامب” وإيران ” خامنئي”، يبدو أن كلا الطرفان يمارسان سياسية حافة الهاوية، علماً أن كلاهما متفق على عدم الانزلاق في مواجهة عسكرية مباشرة. فعنّد كل تصعيد إيراني يتجّه ” ترامب” للبحث عن أي ذريعة لإبعاد الشُبهات عن إيران، بدلاً من شن الحرب عليها، وما حدث ليلة الخميس من يونيو/ تموز الجاري خير دليل على تفاهم الطرفين للخطوط الحمراء والاكتفاء باللعب على هوامشها.

حيث أعلن الحرس الثوري الإيراني إٍسقاطه لطائرة أمريكية من دون طيار من طراز ” غلوبال هوك” داخل الأجواء الإيرانية، يبلغ ثمنها حسب مصدر أمريكي أكثر من 122 مليون دولار، بينما نفت أمريكا أن تكون الطائرة الأمريكية قد اخترقت الأجواء الإيرانية، وادعت أنها تبعد 35 كم عن أجوائها.

بينما الرئيس “ترامب” اعتبر أنا ما حدث قد يكون عن طريق الخطأ أو أن شخصاً غبياً فقد صوابه، ويُفهم من هذا التصريح أن ” ترامب” يُبعد التهمة عن إيران لعدم رغبته الانخراط في مواجهة عسكرية معها، سيما أنه على أبواب الترشح لحملة رئاسية ثانية. والجدير ذكره أن إيران بدأت تمارس سياسية التصعيد وكأنها هي من تريد الحرب، وليس أمريكا التي حشدت منذ شهر عشرات القطع العسكرية في مياه البحر الأحمر، وأرسلت أكبر حاملة طائرات وبطاريات باتريوت، بذريعة ردع إيران عن أي تهديد لمصالحها في المنطقة، وأوفدت وزير خارجيتها ” مايك بومبيو” إلى العراق لإيصال رسالته لوكلاء إيران وتحمليهم المسؤولية عن أي عداء لحلفائها، لكن يبدو أن الوزير أخبر العراق عن هامش المناورة المسموح للممارسات الإيرانية، والتي صبت في نهاية المطاف، في إشعال حالة العداء مع دول الخليج، و بدأت الأخيرة تشعر بحالة الإحباط والخذلان من السياسيات الأمريكية، حيث طالبت الولايات المتحدة أكثر من مرة بلجم إيران وحماية الملاحة البحرية، خصيصاً أن لإيران وعن طريق وكليها الحوثي أصبح يتفاخر بوصوله للعمق السعودي، بعد استهدافه، منشآت نفطية، ومطار أبها، وحرقه لسفن نفطية خلال زيارة وزير الخارجية الياباني منتصف الشهر الجاري. مع ذلك ورغم كل التهويل الأمريكي لردع إيران وممارسته سياسية الحصار الكلي على إيران، في معادلة تصفير صادراتها النفطية، يبدو أن كل ذلك هو عمليات مكشوفة، ولا تهدف لأي ردع حقيقي لإيران في كامل المنطقة، بل على العكس أصبحت إيران هي التي تُبادر في استفزاز ” أمريكا ترامب” علماً منها أن الأخير لن يتجرأ على الدخول في مواجهة مفتوحة، وقد أكد ” ترامب” في أكثر من مناسبة أنه لا ينوي في شن حرب على إيران، ولا يرغب في إٍسقاط النظام، الأمر الذي يستدعي حقيقةً التساؤل، عن النوايا الأمريكية في سكوتها عن رفع منسوب الأخطار في المياه الإقليمية دون تنفيذ إجراءات أمنية تُحد من خرق قواعد الاشتباك الدولي. ومن جهة أخرى ماذا عن الهيبة الأمريكية، هل ستبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يجري في المنطقة، لا سيما أن إيران لن تبقى بموقف المتفرج أمام انهيار اقتصادها.

وبناءّ على ما سبق يمكن تحديد بعض المرتكزات لطرفي الصراع لتوصيف المشهد الحالي.

إيران من خلال رفع منسوب الأخطار على أمن الخليج، أرادت إيصال رسائل سياسية لأمريكا، على رأسها التأكيد على تحذير صدر عنها مسبقاً، أنها إذا ما امتنعت عن تصدير نفطها فلن يتم السماح لأحد تصدير نفطه، إضافة أنها لن تقبل بالمثول أمام الواقع الحالي، بمعادلة (لا حرب ولا سلم) لأن ذلك من شأنها أن يقود بالعامل الزمني إلى إضعافها من الداخل، وانهيار كلي لاقتصادها، وتأجيج الشارع الإيراني، وهذا فعلاً ما يريده ترامب، بمعنى الاكتفاء بسياسية الحصار الاقتصادي ريثما تظهر النتائج، وتُجبر إيران على الاستسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات، بموقف ضعف، للتوقيع على نووي جديد يتناسب مع عقلية التاجر الأمريكي.

كذلك إيران ترفض العودة لطاولة المفاوضات في ظل سياسية أمريكا الحالية، وبنفس الوقت، لا تقبل بترك الوضع على ما هو عليه، ولأنها تعلم يقيناً أن ” ترامب” لا يريد الحرب، فقامت مؤخراً باللعب على سياسية حافة الهاوية، ضمن الحدود المتاحة والمدروسة، وبهذا التوجه تكون إيران قد قررت المغامرة بطرق تعلم نتائجها مسبقاً.

واستغلت دائرة الانقسامات الداخلية لصناع القرار في الداخل الأمريكي، ووظفت التقاطعات لصالحها، فليس الجميع داخل أمريكا يُشجع الحرب على إيران، فقط هناك تيار متشدد ” يُمثله جون بولتون” يدفع باتجاه الانزلاق، لكن “ترامب” يعلم جيداً أن أي تكرار لعراق جديد يعني نهاية حلمه في فترة رئاسية ثانية.

إيران أيضاً من خلال اعتمادها تأطير التصعيد المتقطع، ستُحرج أمريكا أكثر وتدفعها، للإقدام على خيارات محدودة، وسيكون أحلاها مراً، على أمريكا، فلا هي قادرة على شن حرب مباشرة طويلة الأمد، لأن ذلك سيجعلها بموقف أحادي مع عدم اكتساب تأييد حلفائها في الاتحاد الأوربي، إلى جانب رفض كل من الصين وتركيا وروسيا، ولا هي قادرة حتى الآن على تنفيذ عمليات محدودة، علماً أن هذا الأمر وارد وإن تم اتخاذ هذا الإجراء، فمن المُرجح أنه سيكون شكلي، على غرار ضربة مطار الشعيرات في سوريا 2017، والتي جاءت لحفظ ماء الوجه، وفي جميع الأحوال إيران لا تعطي اهتماماً لمثل هذه الضربات، طالما أنها خارج نطاق حدودها، فجميع أذرعها في المنقطة هم عبارة عن مليشيات غير نظامية تزج بهم بالمال السياسي والطائفي.

يبقى احتمال ترغب إيران في تنفيذه من قبل إدارة ” ترامب” وهو إعادة النظر في سياسية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتخفيفها، بهدف استمرار إيران في تصدير نفطها، وإلا ستبقى ترفع من منسوب الأخطار في حركة الملاحة الدولية، ضمن سياسية حافة الهاوية.

بناءَ عليه يبدو أن أمريكا ” في موقف حرج، وإذا لم ترد هذه المرة على موضوع إسقاط الطائرة، فإن كل الرهانات الماثلة بنظرية العداء الأمريكي الإيراني ستسقط، وسيثبت من جديد توكيد حالة التحالف الأمريكي الإيراني الساعية لابتزاز دول الخليج، وإجبارها على ضخ المزيد من الأموال، وبهذا الصدد سنكون أمام تراجيديا أولى من نوعها.

وفي حال خرجت أمريكا من صمتها فإن سقف التوقعات لن يتجاوز ضربات محدودة لإيران لكن ليس في طهران، بل في سوريا على وجه التحديد أو في العراق، وهذا لن يعود بالنفع على دول الخليج، والذين يطمحون من طرف ثالث أن يخوض الحرب مع إيران نيابةً عنهم، ويبدو أن هذا لم ولن يحصل.

وقد يعود من جديد الخط الأمريكي الإسرائيلي لشن بنك أهداف لإيران في سوريا، بحجة حفظ ماء الوجه والحفاظ على الهيبة الأمريكية في المنطقة، ويبقى خيار أخير، أن تصطدم الدول العربية مع إيران بدعم الولايات المتحدة، لكن هذا الاحتمال مستبعد، فالدول العربية هي أضعف بكثير اليوم من أن تُواجه إيران، لسبب بات معروف، فقدانها للقرار العربي، ومصادرته من قبل الغرب.

واعتقد أن طرفي الصراع سيعود في نهاية المطاف لطاولة الحوار، لكن بعد جني التصعيد المفترض الحالي من دول أخرى، ستبقى تحلم بالمُخلّص ” ترامب” والذي لن يُضحي بالدجاجة التي تبيض له ذهباً.

*كاتب وباحث سوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

زيارة بلينكن إلى السعودية: لرأب الصدع أم لإتمام التطبيع؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن أكاديمي مصري. يبدو أنَّ مساعي إدارة …