حلفاء الأمس أعداء اليوم


د. عبد الرزاق هلال*
الذي يغوص في أعماق السياسة وتاريخها وإن كان على المستوى الحديث نسبياَ يجد الكثير من التناقضات، ومن المعلوم أن السياسة ليس فيها عدو دائم ولا صديق مقدس.
فقد تتخلى دولة عن دولة صديقة إذا استوجبت المصلحة ذلك، والعكس صحيح حيث يتصافح الأعداء ويطوون صفحة سوداء كلما تطلب الأمر عداوة جديدة لدولة ثالثة.
في عام 2003 حشدت أمريكا – مصحوبة بعدة دول داعمة لها بشكل مباشر أو غير مباشر – قواتها لغزو العراق أحد الأقطار العربية، وكانت إيران آنذاك أكبر مستفيد من هذا الغزو، لذا وضعت يدها بيد الغزاة للتخلص من عدوها الذي ذاقت منه الويلات.
هنا في العراق خرج أتباع إيران من جحورهم التي كانوا يختبؤون بها ليكونوا اليد الطولى لإيران في قلب العراق، حاربوا… قتّلوا… هجّروا… أبادوا… صنعوا ميليشيات خارجة على القانون باعتراف رؤساء الحكومات المتعاقبة بعد 2003 وإلى يومنا هذا، وباعتراف زعيم التيار الصدري الذي يمتلك شعبية واسعة والذي اشتهر بكلمته المعهودة (الميليشيات الوقحة)، كل ذلك في سبيل دعم إيران وقبلها دعما للأمريكان الغزاة وتنفيذا لرغبتهم في تغيير نظام الحكم في العراق.
حينها لم يكن يعلم العرب – أو قد كانوا يعلمون – أن العراق بات خارج المنظومة العربية وصار رهينا بيد إيران من جهة وأميركا من جهة أخرى.
مَن كان حينها يوالي الأمريكان..؟ ليس العرب أو جزءا منهم.. بل أتباع إيران أيضا الذين استفادوا معنويا من فتوى المرجعية الشهيرة بعدم جواز قتال الغزاة على أنهم ضيوف.
تحالفوا مع الشيطان الأكبر كما تسميه طهران من أجل الوصول إلى هدف أكبر لم يستطيعوا الوصول إليه في ثماني سنوات حاسمات انتصر فيها العراق رغم تفوق إيران على مستوى التعبئة البشرية وقدرتها على إخضاع بعض العراقيين لها من خلال اللعب بمشاعر الاتباع المذهبي ووجوب الخضوع للولي الفقيه.
اليوم وبعد كل هذه السنوات التي أظهرت للعالم أجمع كيف يتم تسمية رئيس أي حكومة عراقية باتفاق إيراني أميركي… اليوم إيران مهددة بغزو أميركي مزعوم تزداد وتيرته يوما بعد يوم.
من حليف من؟ ومن صديق من؟ ومن هو العدو الجديد الذي سيستفيد من أميركا ضد إيران؟ وما هي المعادلات الجديدة التي سيتم تطبيقها في المنطقة العربية؟
كيف يمكن الوثوق بأمريكا… وليست أمريكا التي يعرفها الجميع… بل أمريكا ترامب، كيف يمكن الوثوق بها وهي تحارب حلفاءها في 2003 وشركاءها في العملية السياسية المزعومة في العراق إلى الآن.
وأبرز ما يمكن أن أقف عليه في هذا المقام هو سؤال لا بد منه، ألا يستطيع العرب وحدهم أن يصدوا إيران إذا فكرت فيما تفكر به وقد استدعى ذلك تدخلا أمريكيّاً.
وبمعنى آخر … أين قوة العرب في صد العدوان الخارجي على أحد أعضاء جامعة الدول العربية؟
هل بات الكل مقتنعا بأن أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على حماية الدول الأخرى ووضع حد لأي تجاوزات من دولة معادية؟
أم أن الأمر هو لعبة أمريكا التاريخية في صنع التحالفات والعداوات الكاذبة التي تغير من خلالها موازين القوى وتخضع الحليف الضعيف للإذعان بإملاءات ترامب ومن وراءه.
فلننظر في التحالفات المزعومة دائما ونستقصي تاريخها لمعرفة جذور التحالف وأسبابه وأهدافه للاقتناع بما سينتج عنه لاحقا..؟
*كاتب وإعلامي