مقالات

الإعلام وخطورته وموقع رسالة بوست في معركة الوعي

ابن بيت المقدس. محمد أسعد بيوض التميمي

كاتب ومفكر
عرض مقالات الكاتب

عندما اتصل بي الأخ أحمد الهواس وأخبرني بأن الاستعدادات قد اكتملت لإطلاق موقع إلكتروني باسم رسالة بوست، وبأنه تمّ اختياري كأحد الكتّاب في الموقع وكعضو في الهيئة الاستشارية للموقع مع ثلة من خيرة المفكرين والكتّاب في العالم العربي من ذوي  التوجه الإسلامي، ولديهم غيرة على دينهم وأمتهم ونتيجة لخطورة الإعلام في معركة الوعي، بل هو أحد الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها الأعداء، ومن حملوا على رقاب الأمة من الطواغيت الفجّار  في الفتك في عقل الأمة ووعيها، رحبت بالفكرة وتشجّعت لها، وأخبرته  بأنه يسعدني  بأن أكون جنديًا معكم في هذا الموقع، أسخّر قلمي ولساني لمواجهة الحرب العقائدية والفكرية والثقافية  التي تشن على ديننا وأمتنا  منذ عقود طويلة والتي  بلغت ذروتها في هذا العقد الثاني من القرن الواحد وعشرين. ولقد اخترت أن يكون مقالي الأول في موقع رسالة بوست هو عن خطورة سلاح الإعلام وبأنه ذو حدين وكيف لعب دورًا في الفتك في وعي أجيال بكاملها وتغيير كيميائية عقولها وتهيئتها للهزائم والكوارث والانكسار بزرع ثقافة العبودية والخوف والرعب في وجدانها.

 فاللهم أعنا وافتح علينا في هذه المعركة الفكرية الإعلامية التي سلاحها اللسان والقلم وتقبل منا واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم.

الإعلام وخطورته في معركة الوعي:

إن الإعلام سلاح خطير وفتاك وأكثر خطورة وفتكًا من سلاح الذرة وخطورته ناتجة من سطوته السحرية على عقول ووعي الجماهير، فهو قادر على قلب الحقائق وتزوير وتزييف وعي الجماهير، فالجماهير في معظمها تؤمن بما يقوله الإعلام وتأخذه كمُسلمات، وقليل من الناس يُفكر ويُحلل بما يقوله الإعلام، فهو يستولي عليها بسحر سحرة فرعون ولشدة تأثير سحر الإعلام على الجماهير فإنه يُحدث تغييراً في كمياء عقولها فيسلبها إرادتها وقدرتها على تمييز الحقيقة من الأوهام والخير من الشر والعدو من الصديق وما ينفعها وما يضرها ويجعلها تتحرك لا إراديًا كقطعان الأغنام، فتتخيل من سحره بأنّ السراب ماءٌ والوهم حقيقة، فالإعلام هو المصنع الذي يصنع الرأي العام ويتحكم به ويوجهه بالاتجاه الذي يريد، فهو قد يجعل من الجلاد ضحية والضحية جلاد ومن الخائن بطلًا ومن الشريف لصًا ومن اللصّ شريفًا ومن الأشخاص المجهولين التافهين الروبيضة الذين لا وزن لهم ولا قيمة ولا اعتباراً أسماء لامعة، ورجالًا عظماء، ومن السفهاء حكماء وراشدين يؤثرون بالرأي العام ومن المومسات عفيفات وطاهرات وقدوة ومثلًا!

والإعلام قادر أن يجعل من الهزيمة والانكسار عزة ونصرًا، ومن الخزي والعار شرفًا ومجدًا ومن طلاب الحرية والعزة والكرامة غوغاء ومن المجاهدين إرهابيين ومتطرفين وخونة وعملاء، ومن الذل والهوان كرامة.

فهذا الإعلام جعل من الزعماء والقادة المهزومين الفاشلين الخائبين الخائنين المتآمرين وأبطال الانقلابات العسكرية والعصابات الحاكمة في العالم العربي الذين لم يبقَ خزي ولا عار إلا ارتكبوه، والذين أذاقوا الأمة وبال أمرها أبطالًا وثوارًا أحرارًا منقذين ومحررين ومقاومين وممانعين وأصحاب إنجازات تاريخية عملاقة، والإعلام جعل من الذين جعلونا أضحوكة الأمم العاجزين عن التفكير والتعبير والذين يتهتهون بالكلام كالجِمال أمراء الفصاحة والبيان والحكمة، وجعل من غبائهم وجهلهم ذكاء ودهاء، وجعل من سفاهتهم وتطاولهم في البنيات إنجازات حضارية عظيمة وتاريخية، وأصبح كل من يريد الشهرة يخرج على وسائل الإعلام هذه فيتهجم على الإسلام والصحابة وتاريخنا فتتلقفه وسائل الإعلام المختلفة فيصبح مفكرًا حرًا وتنويريًا وتقدميًا وحضاريًا ورمزًا ثقافيًا من رموز هذا العصر المنحط.

ففراعنة هذا الزمان هم المسيطرون على الإعلام والمتحكمون به، فأضخم الإمبراطوريات الإعلامية التي تتكون من محطات فضائية إخبارية وترفيهية ومن صحف يومية ومجلات أسبوعية ووكالات أنباء وقنوات فضائية يمتلكها صهاينة، ومنهم مردوخ الذي يمتلك حوالي 80% من وسائل الإعلام العالمية الشهيرة والمؤثرة، فهذا يعني أنهم يتحكمون بثمانين في المئة مما يُسمى بالرأي العام العالمي الذي لم يكن في يوم من الأيام يقف إلى جانبنا بل إلى جانب الصهاينة، ويُبرر جميع جرائمهم ضد أمتنا.

وبسلاح الإعلام تم التلاعب بالشعوب العربية في ما قبل كارثة عام 1967 حيث تم بالإعلام خداعها وتضليلها وتغيب وعيها وقيادتها كالأنعام إلى المذبح في صباح ذلك اليوم المشؤوم في خمسة حزيران 1967، وهي مخدرة فاقدة لوعيها ترقص وتغني وتتمايل في الشوارع والساحات على أنغام الإعلام المضلل وهي تظن أن ساعة التحرير قد ازفت كما كان يقال لها في الإعلام، وأنشئت إذاعة خاصة سميت بصوت العرب من القاهرة، كانت وظيفتها وظيفة خبيثة شرير شيطانية، وهي تخدير وعي الأمة وتغييب عقلها من خلال طابعها الحماسي الذي لم يكن يتوافق مع هذا الحماس أي استعداد حقيقي على الأرض للمعركة كما تبين في ما بعد، بل كان هناك كذب وخداع وتضليل وأوهام وكل إعلام حماسي لا يتوافق معه فعل واستعداد حقيقي على الأرض هو إعلام كاذب وخائن ومخدر واختير لهذه الوسيلة الإعلامية مذيعًا اسمه أحمد سعيد وما أدراك ما أحمد سعيد، كان صاحب صوت جهوري ذا نبرة قوية ومؤثرة يخاطب الجماهير بكلام حماسي غير مألوف، يُعبر عمّا يختلج في نفوسها ويصنع أمجادًا وإنجازات وبطولات وانتصارات وهمية للزعيم، حتى أن هذا الإعلام من سحره جعل مواسير المجاري صواريخ سميت القاهر والظافر والرائد التي يتوعد بها الكيان الصهيوني، ما جعل الجماهير تصدقه وتنام وهي مطمئنة بأن الأمة بخير  والإعداد والاستعداد لتحرير فلسطين يجري على قدم وساق وعلى مدار الساعة!

ورغم حجم الكارثة التي حصلت عام 1967 وبشاعة الجريمة وغرابتها فإنّ هذه الجماهير التي مرغ الزعيم رأسها بالوحل، وجلب لها الخزي والعار، وجعلها أضحوكة الأمم لم تصب بالدهشة والصدمة فتستيقظ على الحقيقة، بل خرجت إلى الشوارع تهتف بحياة قاتلها وذابحها والمتآمر عليها مع عدوها جهارًا نهارًا مطالبة له بالبقاء بالسلطة مكافأة له على ما جناه بحقها، وكأنه بطل منتصر وليس صانع هزيمة أغرب من الخيال ليس لها مثيل في تاريخ البشرية، حتى أنه بعد هزيمة الخزي والعار استقبل في بعض العواصم العربي استقبال الفاتحين بأكاليل الغار كما حصل له في الخرطوم بدلًا من أن تقوم هذه الجماهير بالثأر لكرامتها فتقوم بالفتك به وبزمرته وسحلهم في الشوارع انتقامًا لما جنته أيديهم بحث الأمة من جريمة لا تغتفر، وبدلًا من أن يُبطل هجم الكارثة التي صنعها إعلام الزعيم مفعول السحر على العقول ولو بعد حين إلا أن أثره على كثير من الناس لا زال موجودًا ورغم طول الزمن، فيعتبرون تلك الفترة التي ساد فيها الإعلام القائم على الكذب والخداع والتضليل فترة نهوض وعزة وكرامة ويعتبرون ذلك الزعيم سيد تلك المرحلة الذي ما هو إلا خائن وجاسوس، فهو صاحب القرار الشهير بتلقي الضربة الأولى الذي قدم جيش مصر على طبق من ذهب لطيران العدو ليفتك به في صحراء سيناء!

نعم إلى هذا الحد يُغير الإعلام كيمياء العقول ويُسحرها، فيجعل الجماهير تفقد الإحساس بإنسانيتها وكرامتها، فتنقاد وراء السراب والوهم والخداع بكل سهولة ويسر.

وكان الإعلام في سوريا في تلك الفترة ولا يزال هو طبق الأصل عن الإعلام المصري حيث قامت العصابة الطائفية التي استولت على سوريا باسم حزب البعث عام 1963 بتسليم الجولان دون قتال رغم أنها أحصن موقع طبيعي في العالم لا يمكن اقتحامه لو تم المقاومة بالحجارة فقط، ومع ذلك كان إعلامهم يقول بأننا انتصرنا فالعدو لم يكن يريد الأرض وإنما يريد إسقاط النظام التقدمي الثوري في سوريا.

وها هم المسلمون السنة يذبحون ويبادون في العراق وسوريا على أيدي قطعان المشروع الصفوي المجوسي المتحالف مع هذا النظام الطائفي الذي يحكم سوريا منذ 56 عامًا ومع روسيا وأمريكا والإعلام التابع لهذا الحلف يسمي هذا الحلف بحلف محور المقاومة والممانعة الذي يقاتل الإرهابيين والمتطرفين فهذه الملايين من أهل السنة التي قتلها وشردها هم إرهابيون ومدن السنة التي دمرت هي مدن الإرهابيين وتحرير فلسطين لا يمر إلّا عبرها.

ووسائل الإعلام في عالمنا العربي الإسلامي تفهت أجيالًا بكاملها، وفرغتها من كل القيم والمفاهيم والمبادئ الإسلامية النبيلة، ووضعتهم على طريق التيه والضياع، فهي قد جعلت من مليار ونصف مسلم غثاء كغثاء السيل لا قيمة لهم ولا وزن ولا اعتبار بين الأمم، فهم تائهون ضائعون لا يدرون من هم؟ ولا من أين هم؟ ولا إلى أين يسيرون؟ ولا من هو العدو؟ ولا من هو الصديق؟ ولماذا هزموا وكيف ينتصرون فارغين من أي مضمون؟ فهم لا يعرفون إلّا ثقافة العبث والهتك والفتك والنخر، فتجدهم يتابعون أخبار ومشاكل المغنين والمغنيات، والراقصين والراقصات، والطبالين ويتابعونها بشكل حثيث، ماذا يأكلون؟ وماذا يشربون؟ وماذا يلبسون؟ وكيف يقصون شعورهم؟ وما هي آخر إنتاجاتهم التافهة المزيفة؟ وممن تزوجوا؟ وممن تطلقوا؟ وآخر عمليات النفخ والقطش والبتك التي أجريت لهم؟ فالإعلام يقدم لهم هذه النوعية من الحثالات ليكونوا لهم القدوة والمثل حتى يضعهم على طريق التيه والضياع وفي الوقت نفسه إذا ما سألت هذه الأجيال الضائعة التائهة عن أصول دينهم وأركان الإسلام، وأركان الإيمان والبديهيات التاريخية للأمة التي ينتمي إليها أو البديهيات الثقافية والسياسية المكونة لواقع أمتهم الحالي الذي يعيشونه وما يجري في العراق والشام وفلسطين من أحداث يومية تهز الجبال وتجعل الولدان شيبًا، وما يحيق بأمتهم من أخطار داهمة، فإنك ستجدهم لا يعرقون عنها شيئًا وكأنهم يعيشون في عالم آخر وبانفصال تام عن هذا الواقع بل ويرددون ما يسمعون بالإعلام كالببغاوات.

فمما تقدم نجد أن وسائل الإعلام هي أخطر سلاح استخدمه أعداء الأمة لشن حربًا تدميرية عليها، من أجل الإجهاز عليها ومنع نهوضها وإبقائها في حالة خدر وغيبوبة فكرية وتزييف للوعي، وحتى تبقى في المأزق التاريخي الذي تعيش فيه منذ عقود طويلة، وهذا الإعلام ماض دون هوادة على تكريس حالة الذل والهوان والضعف في أبناء الأمة، وتحويلهم إلى جنس ثالث بهتك فطرتهم والفتك بإنسانيتهم، ونخر روح التحدي فيهم، حتى يبقوا مجهضين لا يقدرون على النهوض وتغيير هذا الواقع إلى واقع أفضل تستحقه أمتنا، وحتى يبقى الكيان الصهيوني في المنطقة آمنًا مطمئنًا، وتبقى العصابات الطائفية في العراق والشام تعمل على إبادتنا وتحويلنا إلى أقلية، وحتى يبقى من حملهم الغرب على رؤوسنا وأكتافنا وسلموهم رقابنا سادة علينا ونحن عبيد لهم ولأسيادهم، فأصحاب إعلام الفتك والهتك والنخر والمسيطرون عليه من سحرة فرعون في غيهم يعمهون وفي رذيلتهم غارقون وعلى أشلاء الأمة يرقصون، وفي جهالتهم هانئون، وفي ضلالهم البعيد سادرون، وفي عبثهم لاهون، وفي بنيانهم الذي يدل على غبائهم وسفهاتهم يتطاولون، والعالم بهم مستخفون ومستهزؤون وعليهم متطاولون ولهم محتقرون، وهم بذلك فرحون وسعيدون، فتراهم دائمًا على خيبتهم وعجزهم وفشلهم يبتسمون ويضحكون ولا يغضبون ولا يستفزون مهما لحق بهم من ذل وهوان وخزي وعار، ومهما بصق عليهم أعداء الأمة، ومهما صفعوهم على وجوههم وركلوهم على أدبارهم ومهما عروهم أمام شعوبهم، فالسعادة كل السعادة لديهم أن يبقى الأعداء عنهم وعن تصرفاتهم راضون وعن تنفيذ ما يطلبونه منهم مهما فعلوا بهم الأفاعيل.

ففي معركة الوعي هذه نبارك للأمة في مشارق الأرض ومغاربها انطلاق موقعهم موقع رسالة بوست معاهدين الله أولًا ثم أبناء أمتنا بأن نكون عند حسن ظنهم بنا فنجعله بهون الله ناطقًا باسمهم معبرًا عن آمالهم وأحلامهم وآلامهم يستهدف إنضاج وعيهم، فلا نقول إلّا الحقيقة كما هي دون تزوير ولا تزييف بالكلمة الصادقة الأمينة الشجاعة والتصدي لكل من يريد أن يعبث بديننا وتاريخنا وحضارتنا وفضحه معتبرين جميع قضايا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها هي قضيتنا دون أخذ حدود سايكس بيكو بالاعتبار

فاللهم هيء لنا من أمرنا رشدًا واعنا على مهمتنا ووفقنا لما تحبه وترضاه.

ابن بيت المقدس محمد أسعد بيوض التميمي

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. الافاضل القائمين على موقع رسالة بوست نبارك لكم هذا الموقع ونسال الله ان يوفقكم لما فيه خير امتكم ودينكم ونساله ان يرزقكم الاخلاص وحسن النية والعمل

اترك رداً على عدنان عبد الحميد العقيدي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى