حقوق وحريات

مذكّرات.. جرح الماضي ينزف من جديد.

عزيزة جلود*

* الحلقة الثالثة

عبد الكريم منلا من مواليد الاذقية ١٩٥٤مهندس كهرباء لايعرفه أهل حلب ولكنه عاش وجاهد واستشهد على أرض حلب منذ بداية تأسيس أول قاعدة للشهيد إبراهيم اليوسف كان عبد الكريم ((أبو قاسم )) الساعد الأيمن له وبعد استشهاده كان هو القائد للعمل العسكري نيابة عن الشهيد استشهد بعد اعتقال عمر خشفة ((أبو سالم )) الذي كان يعرف كل مكان يلجأ له المجاهدون وقيل لي أنه من دل عليه أهدي حكايتي لأهلهم ولكل الشهداء المنسيين 

إلى شهداء ثورة الثمانين المنسيين: كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان لحتى كان.

تقول شهرزاد:

بعد اعتقالي بشهر تقريباً فتح أحد السجانين الباب وقال : البسي وتعالي مطلوبة للفرع للتحقيق واتركي طفلك لدى رفيقاتك بدأت حركتنا بالغرفة كخلية نحل و التوقعات وانتابني بعض من الخوف لأن إعادتي إلى الفرع يعني أن هناك تحقيقاً جديداً ساعدتني الأخوات على اللباس واحتضنّ طفلي ليشغلنه عن ذهابي ركبت مع عناصر الفرع سيارة جيب وطافت بنا شوارع حلب آه ما أحلاكِ يا حلب وما أجمل شوارعك وحاراتك القديمة لأن لي في كل قطعة بلاط سوداء قديمة ذكرى ولأن لي في جميع شوارعك القديمة حكاية يا الله هل هناك شيء أجمل من الحرية ؟؟!

يا الله هل يحق لأي شخص تحت أي مسمى أو أي قضية أن يسلب حرية الآخرين بدون أن يترك له حق الدفاع عن نفسه ؟؟؟

هل يحق لأي إنسان أن ينسف الدساتير والقوانين و يصنع لنفسه دستوراً يحاسب الآخرين عليه ؟

هل نحن في وطن تسوده شريعة الغاب القوي فيه يأكل الضعيف ؟

ما زلت في شرودي والحديث مع نفسي حتى توقفت السيارة أمام باب كبير تنبهت لأرى أين وقفنا فإذا به باب أحد المشافي

فتح البواب الباب من دون أن يسألهم من أنتم فهم معروفون إنهم عناصر المخابرات

من يستطيع أن يكلمهم؟ فهم كالطواويس يمشون وعلى جنبهم مسدس يحرصون على إظهاره ليراه كل الناس فهم يتباهون به وبالسلطة المطلقة التي أعطيت لهم

نزلنا من السيارة فقال لي قائد الدورية : نرجوا أن تتعرفي على أحد القتلى إن كنت تعرفينه خفق قلبي و ارتعشت أوصالي من يكون يا ترى ولكنّي تمالكت نفسي فأنا معتادة على رؤية ذلك ففي اعتقال سابق جعلوني أرى خمسة شهداء لأتعرّف عليهم كان من بينهم أخ زوجي وقد كنت آنذاك حامل ووضعت طفلاً و أسميته على اسمه إنه طفلي الذي يرافقني في السجن

دخلنا إحدى الغرف فرأيت شاباً نحيلاً مكشوف البطن مغطى الصدر مفتوح العينين ولكنهما ذابلتين ينظر إلى من حوله مستهزءاً بهم قائلاً: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)

قالوا لي : هل تعرفينه ؟ قلت نعم إنه أبو قاسم (عبد الكريم منلّا )

استدرت لأخرج من الباب حياءاً منك يا أبا قاسم كي لا أرى بعضاً من جسمك مكشوف وأنت الشاب الخلوق ذو الحياء لقد كنت ترفض أن نغسل ثيابك فكنت تغسلها بنفسك وتنشرها بحياء بزاوية أحد الحبال على السطح عذراً أبا قاسم فأنا سجينة وأعرف أنّك عندما سمعت باعتقالي حزنت كثيراً أنت وجميع الشباب وقد لمتم أنفسكم أنكم لم تكونوا على قدر المسؤولية ولم تستطيعوا حمايتي وأطفالي بعد وفاة زوجي عذراً أبا قاسم فأنا لم أعتب عليكم يوماً فالوضع أكبر منا بكثير وإرادة الله فوق الجميع.

وها أنا أعود الآن وحيدة إلى السجن أبتلع غصّة في قلبي لأنّي لا أستطيع البكاء عليك أمام العناصر فهذه تهمة كبيرة لا أدري ما عقابها بعدما وصلت للسجن ودخلت الغرفة أجهشت بالبكاء ففزعت جميع الأخوات

ورحن يسألنني بإلحاح ماذا جرى فقلت لهم : قتلوا أبا قاسم إنه من أبناء اللاذقية من حي صليبة يدرس الهندسة الالكترونية.

ومن بين الأخوات الملتفات حولي رمى طفلي بجسده الصغير في حضني وهو ينظر إلي باكيةً يشاركني البكاء نعم يا حبيبي فلنبكي جميعنا هؤلاء الشباب فإنهم لا ناصر لهم ولا يوجد من يفهم قضيتهم إنهم غرباء في أرض الوطن وغرباء بين أهلهم وذويهم فلنبكهم أنا وأنت يا حبيبي فإننا نعرفهم عن قرب ونعرف ما يتحلون به من خلقٍ ودين وحياء واستقامة ، ونام شهريار السجّان وسكتت شهرزاد عن الكلام.

*ناشطة ثورية.

تنويه: ينفرد موقع رسالة بوست بنشر مذكرات السيدة عزيزة جلود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى