ميشيل بلاتيني رهن الاعتقال وأوروبا قلب دفاع الفريق الإيراني

يتصدر نبأ اعتقال لاعب كرة القدم الفرنسي الشهير “ميشيل بلاتيني” وسائل الإعلام الأوروبية، بالتزامن مع خبر إرسال الولايات المتحدة الأمريكية ألف جندي إضافي إلى منطقة الخليج -حسب التلفزيون الهولندي، 18-6-2019-.
اعتقال “بلاتيني” الرئيس السابق لمنظمة الـ “فيفا” جاء على خلفية تهم تتعلق بالفساد في إطار اشتراكه بالتحضيرات لمونديال 2022 لكرة القدم في قطر، أما قرار إرسال القوات الأمريكية الإضافية إلى منطقة الشرق الأوسط، فجاء على خلفية الاعتداءات المتكررة على ناقلات النفط في خليج عُمان.
الولايات المتحدة تتهم إيران صراحة بتلك الاعتداءات، وتنشر صوراً تثبت تورط الحرس الثوري الإيراني المباشر بها.
وفي حين لا يجد بلاتيني أي استنكار من القوى السياسية الأوروبية لحادثة اعتقاله، يستنفر الاتحاد الأوروبي ويعقد اجتماعات عاجلة لتجنيب إيران أية ضربة أمريكية، وتتحدث “فريدريكا ماجاريني” ممثلة اللجنة الأوروبية في مؤتمر صحفي عاجل عن مدى الخطر الذي يمكن أن ينجم عن أي تصعيد مع إيران، رغم أن أحداً من المسؤولين الأمريكيين لم يتحدث عن نية حقيقية لضرب إيران، بل أسرع هؤلاء لنفي تلك النية وتفسير ذلك التحرك على أنه مجرد حماية للمصالح الأمريكية في المنطقة.
الاتحاد الأوروبي يبدو حريصاً على تجنب أي صدام بين إيران وأمريكا أكثر من إيران نفسها، والتي أعلنت في الوقت ذاته عن عزمها زيادة تخصيب اليورانيوم، ولكن أوروبا التي أوردت هذا الخبر لم تتوقف عند خطورة ما تفعله إيران بل اكتفت بالحديث عن خطورة الصدام والعمل بكل السبل على منعه.
موقف الدفاع المستميت عن إيران الذي يتخذه الاتحاد الأوروبي اليوم، لا يختلف عن الموقف الذي اتخذه حين أعلن الرئيس الأمريكي منذ فترة انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، حينها، لم تترك دول الاتحاد الأوروبي وسيلة لإقناع أمريكا بمخاطر سحب الاتفاق، بل ووصل الأمر ببعض تلك الدول إلى حد الاستعداد لخسارة علاقاتها مع أمريكا على حساب الإبقاء على اتفاقها مع إيران.
وبصرف النظر عن جدية أمريكا في ضرب إيران، أو حقيقة الخصومة معها، فإن ما يحدث يعد امتحاناً حقيقياً للقيم والمبادئ التي رسختها أوروبا على مدار العقود الماضية، فقيم العدالة التي سهلت اعتقال بلاتيني، تلقى في سلة النفايات حينما يتعلق الأمر بالمصالح، غير أن الأمر لا يتوقف عند اعتقال رياضي بتهمة الفساد، فالسياسيون يجيدون تقديم التنازلات للوصول إلى هدف سياسي أو تجنب خسارة سياسية، ولكن أن تصل تلك التنازلات إلى حد الإلغاء التام للمبادئ لتحقيق مصالح يمكن تحقيقها بأسلوب آخر أو إيجاد بدائل عنها أقل كلفة وتفريطاً على مستوى الفاتورة الأخلاقية، فذلك سؤال من شأن الإجابة الدقيقة عنه أن تساهم في حل اللغز المستعصي في الكثير من المواقف السياسية لأوروبا، ومن أهمها الموافقة على بقاء الأسد والمساهمة اللجوجة بإعادة تدويره.
ثمة امتحان آخر يواجه أوروبا، وهو ذلك المتعلق بالمقاتلين الأوروبيين الذين حاربوا مع داعش في سورية والعراق وانتهوا أسرى في معسكرات القوات الكردية على الحدود بين سورية والعراق، فالكثير من الدول الأوروبية ترفض إعادتهم لمحاكمتهم في بلدانهم، ولكن الأزمة الحقيقية التي تلاحق أوروبا، تتجسد في الأطفال الذين ولدوا لأولئك الداعشيين، فأوروبا ترفض استلامهم وإعادتهم ليحصلوا على حياة طبيعية في بلدانهم الأصلية، لأن تلك الدول تخشى من تأثيرات الفكر الداعشي على الأطفال، وربما تخشى الجينات أيضاً، ولهذا فهي تحاول التخلص منهم حتى وإن أدى الأمر لتركهم في تلك المعسكرات يواجهون الموت أو الخطف أو المتاجرة بأعضائهم.
وإذا كان الخوف من الفكر الإرهابي هو الدافع الأهم لاتخاذ هذا الموقف، فكيف يستقيم لأوروبا التعامل مع إيران بل والدفاع المستميت عن استمرار العلاقات الطبيعية معها على المستوى السياسي والاقتصادي، بل حتى الاجتماعي والثقافي؟
إن كانت أوروبا تتعامى عن الفكر الداعشي لدى القيادة الإيرانية، وإذا كانت حتى اليوم لا ترى الصلة الوثيقة والمباشرة بين إيران وداعش، وإذا كانت مصالحها لا تتوافق مع رؤية الحقائق في سورية، وعلى رأسها الدور الذي لعبه داعش في حماية نظام الأسد، فعليها بالحد الأدنى أن تلاحق جرائم إيران كما فعلت مع ميشيل بلاتيني، أما أن تلعب دور محامي الدفاع عنها وأن تسميت بإبقائها دون مساءلة، فذلك يجعلها شديدة الشبه بشبيحة نظام الأسد الذين يدعون محاربة الفساد، ويشتكون من الفاسدين، فيما يعدون القاتل بطلاً، الأمر الذي ينسف كل المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي لا تزال أوروبا تتباهى بها.
كان المتوقع من أوروبا أن تكون صاحبة المبادرة ليس فقط لمقاطعة إيران اقتصاديا والمشاركة في تذخير العقوبات عليها، بل في مطالبتها بوقف أنشطتها الإرهابية في سورية والعراق واليمن ولبنان، وأن تطالب بتحالف دولي لضربها تماماً كما فعلت مع داعش، وإلا فالأفضل لأوروبا أن تطالب بالإفراج الفوري عن ميشيل بلاتيني وتعلن انضمامها للدول التي تحمي الجريمة..
السيناريو الأمريكي الأوروبي أصبح مكشوفاً للسوريين، ولعبة توزيع الأدوار وتمويه الحلفاء والخصوم، والتناقضات الصارخة بين التصريحات والمواقف الحقيقية، كل ذلك لا يزال يلعب الدور الأهم في النزيف السوري المتواصل، فهل سيخرج من تحت الركام السياسي العالمي من يحاول إخماد الحريق السوري بدلاً من استمرار صب النفط الإيراني عليه لضمان حصة أوروبا من مكتسبات الحريق؟!