حقوق وحريات

الدكتور مرسي: ستة أعوام من امتهان الحقوق والمحاكمات الصورية.

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

تمرّ مصر اليوم بوضع سلطوي جديد في طياته, قديم في نمطه, يشًخص فيه واقع يعيشه الشعب على كافة تفرعاته ومشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ومصر حالها كحال دول الربيع العربي دخلت الأزمة منذ بوادرها الأولى وبعد ثورة 25 يناير 2011 تسلم الحكم الرئيس المصري الراحل د. محمد مرسي بانتخابات نزيهة وبأسلوب ديمقراطي فريد لم تشهده مصر من قبل وتقدّم على أقرب منافسيه أحمد شفيق على مدار جولتان ليكون الرئيس الشرعي المنتخب من قبل الشعب لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد, من ينظر إلى الطريق الذي توسد الرئيس إليه السلطة نجد وفق المقتضيات الدستورية والدولية أنه طريق قانوني سليم, وما إن مضت سنة واحدة على تولي السلطة  حدث انقلاب في 30 يونيو 2013 بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بدعم من حكومات الخليج العربي باستثناء دولة قطر, كما أن لأيادي الدولة العميقة التي هي امتداد لحكم مبارك دوراً مهماً في هذا الانقلاب, لنرى تغير جديد يقفز على النصوص الدستورية والقانونية ضارباً بالقوانين والدستورعرض الحائط , والقيام بعزل الرئيس الشرعي واعتقاله واعتقال أفراد حكومته وحتى النواب في ظاهرة فريدة لم نكن نسمع بها إلا في جمهوريات الدول المتأخرة في إفريقيا الوسطى.

ومنذ اعتقاله إلى لحظة وفاته مرت 6 ستة أعوام من الجور واستباحة للحقوق  وخرق للقوانين.

فيبدأ مسلسل اعتقاله باستباحة حقوقه كمعتقل وانتقالاً إلى نقض النصوص الدستورية والقانونية التي تعمل بها حكومة مصر نفسها, وصولاً إلى خرق القواعد الدولية في معاملة المعتقلين.

فكانت أولى الخطوات تفعيل قضايا واتهامات كيدية (سياسية) ضد الرئيس ضمن عدة ملفات فكان الملف الاول ( قضية قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية ) التي نوظرت أمام القاضي أحمد صبري يوسف : واتّهم فيه بالتحريض واستخدام العنف وتقديم السلاح الغير مرخص.

والملف الثاني ( قضية الهروب من السجن وادي النطرون ) وكانت أمام محكمة استئناف القاهرة : واتّهم فيها بالاشتراك مع عناصر خارجية لإحداث الفوضى وإسقاط الدولة, والاشتراك في تدمير واقتحام السجون, والمشاركة مع عناصر حزب الله والتكفيرين في سيناء بأفعال تؤدي المساس باستقلال البلاد.

الملف الثالث(قضية التخابر)أحيل بها أمام محكمة الجنايات : بتهم  التخابر مع منظمة خارج البلاد للتنظيم الإخواني, والتخابر مع حركة حماس الفلسطينية للقيام بأعمال إرهابية داخل البلاد, وارتكاب أفعال تمس باستقلال البلاد ووحدتها, وتولي قيادة جماعة تابعة لتنظيم الإخوان الغرض منها تعطيل أحكام الدستور ومنع السلطات من ممارسة عملها.

الملف الرابع القضية المتعلقة باتهامه في قضية «إهانة القضاء» والتي حجزت للحكم بجلسة 30 سبتمبر/أيلول المقبل 2019.

وعلى ضوء هذه الملفات القضائية صدر في نيسان 2015 أول حكم ضد الرئيس بالسجن 20 عام بتهمة استعراض القوة والتعذيب أمام سجن الاتحادية وتم تثبيت الحكم في اكتوبر 2016 وصدر حكم بالإعدام في قضية الهروب من السجن  والمؤبد في قضية التخابر والتي نقضتها محكمة النقض في نوفمبر عام 2016 وتقرر إعادة المحاكمة وليستمر فصل جديد من المحاكمات الصورية والملفات الملفقة وتوفي على إثرها في إحدى جلسات إعادة المحاكمة في قضية التخابر.

من ينظر عن كثب وبزاوية قانونية محضة يجد أن القضايا المرفوعة والاتهامات المرفوقة والموجهة بحق الرئيس مرسي هي قضايا سياسية ليس لها في الواقع القانوني شيء, والدليل حتى القضاء المسيس لم يقتنع بهذه التهم فأبطل قرارات  محكمة الجنايات في قضيتي التخابر والهروب.

ومن المعلوم أن أي شكوى جزائية لها ثلاث مراحل التحقيق وجلسات المحاكمة والنقض وتنفيذ القرار وكل ذلك محدد بمدة زمنية قانونية وفقا لقانون أصول الاجراءات الجزائية المصري ومن حيث تكامل عناصر القضية واستكمال حلقات الأدلة, توجه بالتحقيق والمحاكمة وإصدارالقرارالنهائي بمدة لا تتجاوز السنة, وإلا  يجب إخلاء سبيل المتهم في حال لم تثبت إدانته ولكننا نجد أن هذه القضايا رافقت الدكتور لمدة 6 سنوات ولم يصدر حكم نهائي بات. لتمضي المحاكمات في خرق قانوني ودستوري واضح.      

وفي إطار حقوق الرئيس مرسي كشخص معتقل فإنه لم يلقى أي حقوق نص عليها الدستور المصري أو القوانين الداخلية أو التزاماً بالقوانين الدولية الراعية لحقوق الإنسان. ومن ينظر لمواد الدستور المصري لعام 2014  مثلا نصت المادة 51 (الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة باحترامها) ونصت المادة 52 (التعذيب بجميع أشكاله وصوره جريمة لا تسقط بالتقادم ) مادة 60 (لجسد الإنسان حرمة, والإعتداء عليه جريمة ….)  م54 ( لايجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه إلا بأمر قضائي مسبب ….) مادة 55 ( كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما تحفظ عليه كرامته, ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذائه بدنياً ومعنوياً ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لائقة إنسانياً وصحياً …..) وم56 ( السجن دار إصلاح، تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي ويحضر كل ما ينافي كرامة الإنسان أو يعرض صحته لخطر….)    

وفي الإطار قانون رقم(396 ) لعام 1956  الخاص بتنظيم السجون المصرية نص م36 (كل محكوم عليه يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزاً كلياً يعرض أمره على مدير القسم الطبي للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه. وينفذ قرار الإفراج بعد اعتماده من مدير عام السجون وموافقة النائب العام وتخطر بذلك جهه الإدارة والنيابه المختصه. ويتعين على جهة الإدارة التي يطلب المفرج عنه في دائرتها عرضه على طبيب الصحة لتوقيع الكشف الطبي عليه كل سته اشهر وتقديم تقرير عن حالته يرسل إلى مصلحه السجون لتبين حالته الصحيه توطئه لإلغاء أمر الإفراج عنه إذا اقتضى الحال ذلك. ويجوز لمدير عام السجون ندب مدير قسم طبى السجون والطبيب الشرعي للكشف على المفرج عنه لتقرير حالته الصحيه كلما رؤي ذلك. ويعاد المسجون الذى أفرج عنه طبعاَ إلى السجن لاستيفاء العقوبه المحكوم بها عليه بأمر من النائب العام إذا تبين من إعادة الفحص التي يجريها الطبيبان المذكوران أن الأسباب الصحيه التى دعت إلى هذا محل إقامته دون إخطار الجهة الإدارية التي يقيم فى دائرتها. وتستنزل المدة التي يقضيها المريض عنه خارج السجن من مدة العقوبه.).كما نصت المادة 37 (إذا بلغت حاله المسجون المريض درجه الخطورة وجب على إدارة السجن أن تبادر إلى إبلاغ جهة الإدارة التي تقيم فى دائراتها  لإخطارهم بذلك فوراَ ويؤذن لهم بزيارته. وإذا توفي المسجون يخطر أهله فوراَ بنفس الطريقه وتسلم إليهم جثته إذا حضروا وطلبوا تسلمها فإن رغبوا فى نقل الجثة الى بلده تتخذ الاجراءات الصحيه على نفقه الحكومة قبل تسليمها اليهم لنقلها على نفقتهم ولا يسمح بنقل الجثه إذا كانت الوفاة بمرض وبائي. وإذا مضت على وفاة المسجون أربع وعشرون ساعة دون أن يحضر أهله لتسلم جثته أودعت أقرب مكان إلى السجن معد لحفظ الجثث فإذا لم يتقدم أحد منهم لتسلمها خلال سبعة أيام من تاريخ الإيداع سلمت إلى إحدى الجهات الجامعية.

وفي إطار القواعد الدولية فقد تضمنت نصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 عدة حقوق ضامنة لشخص المعتقل وألزمت الدول على اتباعها ولا يجوز خرقها فقد نصت م7 من هذا العهد (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. وعلى وجه الخصوص لا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر) كما نصت م9 ف4 (لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه) ونصت م10ف1 (يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني).

وغيرها الكثير من المواد والنصوص التي أشارت إليها العهود الدولية والقوانين الداخلية وكل هذه النصوص تلزم السلطات المصرية بتوفير موضع اعتقال عادل وإجراءات قضائية صحيحة وإذ تعمت ذكر المواد بأسهاب لمعرفة حجم الخروقات القانونية في استباحة حقوق الدكتور مرسي القضائية.

حيث أن الواقع الذي عاشه الدكتور أثناء الاعتقال سواء داخل السجن أو أثناء المحاكمات جلّها مخالفة للقانون وفاضحة لآلة النظام  المستبدة  حيث إنه منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، أخفت الأجهزة الأمنية  الدكتور مرسي قبل أن يظهر في أول محاكمة له بعد عدة أشهر حيث منعت السلطات المصرية عنه الزيارة، وسمحت له الالتقاء بزوجته وابنته 3 مرات فقط، فيما كانت حالته الصحية تسوء من حين إلى آخر بسبب غياب الرعاية الصحية.

وفي مايو/أيار الماضي 2019 طلب مرسي، مقابلة أهله وهيئة دفاعه، واشتكى من أشياء تمس حياته، وذلك خلال جلسة محاكمته وآخرين أمام محكمة جنايات القاهرة، بحسب مصدر قانوني.

وأن بحسب المصادر القانونية لجلسة الوفاة أن الدكتور مرسي قال خلال كلمته من داخل القفص بجلسة محاكمته، إنه يريد أن يلتقي دفاعه، لأن هناك أشياء تمس حياته يود مناقشتها مع محاميه، كما يود مقابلة أهله وهيئة دفاعه الذين لم يلتقِ بهم منذ قرابة 4 سنوات.

وقبل 3 أشهر حذر تقرير صادر عن لجنة حقوقية مستقلة مكونة من نواب بريطانيين ومحامين من أن مرسي يواجه خطر الموت في السجن، إذا لم يتلق على الفور عناية طبية عاجلة.

وقالت صحيفة تايمز البريطانية إن لجنة مكونة من مشرّعين ومحامين من لندن في المجالات الحقوقية يقودها الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني النائب كريسبن بلانت، توصلت إلى أن حياة مرسي في خطر بسبب عدم تلقيه الرعاية الطبية الكافية لمرض السكري الذي يعاني منه.

وقال بلانت عند عرض التقرير أمام البرلمان البريطاني «إن استنتاجاتنا قاطعة»، مضيفاً «بخصوص وضع مرسي الصحي، فإن رفض توفير علاج طبي أساسي له الحق فيه يمكن أن يؤدي إلى وفاته بشكل مبكر». وأكد عبدالله نجل مرسي أن والده يتعرض إلى إهمال طبي وهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري، وأنه يوجد في أوضاع بائسة جداً في السجن الانفرادي المفروض عليه. ودعا المجموعة الدولية إلى التنديد بظروف السجن هذه وإلى الضغط على «الحكومة المصرية لكي تسمح لعائلته بزيارته وتلقي العلاج الطبي»، وأضاف «لا نريده أن يموت في السجن».

وأكدت الأسرة في البيان ذاته، أنها حاولت زيارته بسجن طرة لأكثر من 50 مرة خلال عام 2016، لكنها دائماً ما تُمنع من الزيارة والسبب المعتاد أن هناك جهة ما ترفض ذلك.

وبهذا نرى ومن الناحية القانونية أن السيسي مسؤول وبشكل مباشر عن وفاة الدكتور مرسي حيث إن التعمد في سلب الحقوق الصحية وعدم مراعاة هذا الجانب للرئيس تاركاً إياه في موقف صحي متدهور وظروف اعتقال قاسية هي من ساهمت بشكل مباشر في تفاقم الحالة وصولً إلى لحظة الوفاة.

غير أنّ هنالك إمكانية الوقوف أمام جريمة قتل عمد سواء بدس السم أو استخدام دواء فاسد أو غير ذلك فكان بالأحرى استجلاب لجنة دولية طبية للكشف على الجثة وبيان أسباب الوفاة الحقيقية. حيث إن وفاته أثناء جلسة المحاكمة قد يكون مدبر مسبقاً ومؤقتاً ليكي يظهر للعالم أن موته كان أمام أعين الناس ولا يثير الشكوك حول وفاته لو كان داخل زنزانته.

فأيّ كانت أسباب الوفاة فإن الظروف التي عاشها في السجن وبالوصول إلى لحظة وفاته وعدم السماح لغير أسرته في تكفينه والصلاة عليه, وعدم السماح لهم في دفنه بمقبرة الأسرة كل ذلك تلتحق بالخروقات القانونية والدستورية الضامنة بحقوق الإنسان.

ليبقى التسائل إلى متى سيبقى الموقف الدولي موقف المتفرج من هذه القضية وغيرها من القضايا الماسة بحقوق الانسان والخارقة للمواثيق الدولية والتي تمارسها سلطة السيسي كل يوم واضحة للعيان.

رحم الله الرئيس الراحل وأسكنه الفردوس.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. وكأني اقرأ لائحة قانونية رصينة .. هذا المقال الرائع .
    احسنت واجدت التفصيل والتبسيط والتبيين وهذه الوقفات عند مسيرة مظلمة هذا الرجل الرباني رحمه الله .
    الاخ والجار العزيز أ. محمد العاني .
    انا سعيد جدا ان اجد لكم اسهامة من على هذه المدونة الوليدة الرصينة ” رسالة بوست” متمنيا دوام التواصل معها .. وانتم مثال الشاب المتنور .. حفظكم الله .
    تحياتي

    1. والله اسعدتني هذه الكلمات الرائعة من رمز من رموز العلم والثقافة والوعي على مستى محافظتي والبلد فهذا المرور الرائع وهذه الكلمات الطيبة ستكون بالنسبة لي قاعدة انطلاق جديدة استند اليها نحو البحث والتطور.
      حفظكم ربي ونفعنا بكم وشرفتموني كل الشرف بمساندكم وتشجيعكم انت ود. ايمن انتم من هذه العائلة المباركة بالعلم والدين والاخلاق فبكم نفخر وبكم نستشعر الحب وبكم نحو العلم والثقافة نقدتي حفظكم ربي من كل سوء ودام عليكم السكينة والطمئنينة .
      تشرفت كل الشرف بمروركم العطر.

  2. والله اسعدتني هذه الكلمات الرائعة من رمز من رموز العلم والثقافة والوعي على مستوى محافظتي والبلد فهذا المرور الرائع وهذه الكلمات الطيبة ستكون بالنسبة لي قاعدة انطلاق جديدة استند اليها نحو البحث والتطور.
    حفظكم ربي ونفعنا بكم وشرفتموني كل الشرف بمساندكم وتشجيعكم انت ود. ايمن انتم من هذه العائلة المباركة بالعلم والدين والاخلاق فبكم نفخر وبكم نستشعر الحب وبكم نحو العلم والثقافة نقدتي حفظكم ربي من كل سوء ودام عليكم السكينة والطمئنينة .
    تشرفت كل الشرف بمروركم العطر.

اترك رداً على محمد نادر صالح العاني إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى