جزية ترامب.. وكراسي الخليج

في الوقت الذي يحبس العالم أنفاسه مما يمكن أن تسببه التغيّرات المناخية ، أثنى وزير الخارجية الأمريكي “جورج بومبيو” في اجتماع لمجلس القطب الشمالي عُقد في فنلندا مطلع مايو/أيار الماضي على التغيّرات المناخية لتسببها في ذوبان الجليد في الدائرة القطبية الشمالية.
وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن بومبيو القول: « إن انحسار الطبقات الجليدية المستمر يفتح ممرات وفرصاً جديدة للتجارة» مشيراً إلى: « وجود كميات وافرة غير مكتشفة من النفط والغاز واليورانيوم والمعادن الأرضية النادرة والفحم والألماس والثروات السمكية في منطقة القطب الشمالي».
حيث كشف عن جوهر وبشاعة الرأسمالية وهوسها في الكسب ولو على حساب الإنسان و البيئة والمناخ وما يمكن أن تشكله التغيرات المناخية من كوارث راهنة وقادمة.
● حقيقة السياسة الأمريكية :
المدرك والمتابع للسياسة الأمريكية يعي تماماً بأن السياسة الأمريكية أبعد ما تكون عن نُبل الأخلاق حالها حال معظم السياسات الغربية ومشتقاتها من أدوات محلية وإقليمية وبأن الولايات المتحدة لم ولن تترك الساحة للروس ولا لغيرهم
وأن سياسة الأمريكان خبيثة وتعتمد على توريط الخصم وجرّه إلى حيث تريد هي لإنهاكه وإضعاف موقفه ثم الانقضاض عليه.!
ولا شك بأنها تفعل كل ذلك لأجل مصالحها فهي غير عابئة بالشعوب العربية
● ترامب والخليج العربي :
إذا ربطنا تصريحات “ترامب” الأخيرة بضرورة إقحام البحرية الأمريكية في مهمة “مأجورة” لتوفير ممرات آمنة في منطقة الخليج .. أقول إذا ربطنا تلك التصريحات بإسلوبه السياسي في التعاطي مع الأمور و بما حصل ويحصل من اعتداءات على السفن التجارية هناك فسوف يتبيّن من هو المستفيد الأول من تلك “المسرحية” وبالتالي من هو الفاعل الحقيقي الذي حرّك أدواته للعبث في أمن المياه الإقليمية والدولية.
منذ سنوات بعيدة وحتى اليوم لم تتغير نظرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للخليج ، فهو طالما رآها مجموعة من الدول تحوز قدراً هائلاً من الثروة النفطية، وأن عليها أن تدفع مقابلاً “لخدمات” الولايات المتحدة في حفظ أمن واستقرار هذه المنطقة وتعميمه الإعلامي هذا لن يخفي هدفه الأساسي (المملكة العربية السعودية) فهي المقصودة ضمناً.
في أحد اللقاءات السابقة طالب ترامب بالحصول على حصة ضخمة من بترول العراق في مقابل العملية الأمريكية التي أدت للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، لتتعدد التصريحات من هذا النوع لاحقاً
وللأسف يبدو بأن دول الخليج توقن تماماً بصحة تصريحات ترامب وتعلم أن استقرارها رهين برضا واشنطن عنها كما كانت بريطانيا في السابق والتي ساعدت على قيام واستقرار هذه الدول وحمايتها لفترة ، والدولة الوحيدة التي ابتعدت عن هذا الإطار هي سلطنة عُمان التي استطاعت أن تنأى بنفسها عن “الصراعات” العربية-العربية و العربية-الإيرانية و الأمريكية-الإيرانية.
والسياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة اليوم تبدو شديدة الوضوح للعيان ، فبدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة بحل الأزمة الخليجية لعب ترامب على كافة الحبال وأوهم كل طرف بأنه يقف إلى جانبه وذلك تمهيداً لتنفيذ المخطط الأمريكي الجديد في المنطقة ، ومنذ فوزه بمنصب الرئاسة وقبل ذلك يكاد الرئيس الأمريكي ترامب لا يفوّت مناسبة إلا ويذكر فيها قادة دول الخليج بأنهم باقون بفضل أمريكا ، مطالباً إياهم بدفع الأموال ، فهل هذه السياسة توجه أمريكي جديد جاء به ترامب أم أنه استكمال للدور الأمريكي لكن بإسلوب أكثر براغماتية ومباشرة ؟
و نذكر من تلك التصريحات:
“دفعنا 7 تريليونات دولار خلال 18 عاما في الشرق الأوسط وعلى الدول الثرية دفع مقابل ذلك”.
“هناك دول لن تبقى لأسبوع واحد دون حمايتنا. عليهم دفع ثمن لذلك” … (في إشارة إلى دول الخليج الغنية)
كلمات قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ أبريل/نيسان من العام المنصرم خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الفرنسي.
وهناك من المراقبين من يلخص هذه السياسة التي ينتهجها ترامب بمبدأ “ادفع لتبقى” في تعامله مع دول الخليج..!
ومنذ بدء حملته الانتخابية وهو يقوم بذلك ففي 2016 أعلنها ترامب:
“السعودية لولانا لما وُجدت وما كان لها أن تبقى”.!!
يبدو أن خطط الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص قديمة ومازالت قائمة، وها هو يحولها اليوم إلى سياسة واقعية.
وعلى العموم فإن خطط ترامب هذه لسحب المليارات من الخزائن الخليجية ليست وليدة الأشهر والسنوات الماضية، وإنما تعود إلى ثلاثين عاماً خلت ففي حوار أجرته معه المذيعة الأمريكية الشهيرة “أوبرا وينفري” سنة 1988 يقول ترامب: “سأجعل حلفاءنا يدفعون ما عليهم من حصص، إنهم يعيشون كالملوك ، أفقر شخص في الكويت يعيش كالملوك ومع ذلك لا يدفعون ، نحن نوفر لهم إمكانية بيع نفطهم لماذا لا يدفعون لنا 25 في المائة مما يجنونه؟”
وخلال حملته الانتخابية في عام 2016 قال ترامب : “دول الخليج لا تملك سوى المال سأجعلهم يدفعون ، نحن مدينون بـ19 تريليون دولار لن ندفعها نحن، هم سيدفعون”
إذاً فالمخطط قديم ومستمر وها هي بوادر تنفيذه على الأرض اليوم قد بدت واضحة جليّة.
فهل سيستطيع ترامب أن ينفذ وعوده التي قطعها للأمريكيين ، وتتكشف الحُجب عن حقيقة العلاقة بين أنظمة المنطقة والعم سام..؟
هذا ما سيكشف عنه قادم الأيام..
محمد علي صابوني: كاتب صحفي.
تعليق واحد