بحوث ودراسات

مجلس الأمن وأدواره الإنحيازية عن الشعوب المضطهدة .. العراق وسوريا إنموذجا

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

مجلس الأمن هو الجهاز التنفيذي لأكبر منظمة في العالم ( منظمة الأمم المتحدة) ويعد أهم أجهزتها الفعالة , ويضفي له اختصاصات خطيرة ومهمة يظهر فيه مسؤوليات عديدة اتجاه دول وشعوب العالم , إذ يتحمل مجلس الأمن مسؤولية  الحفاظ على السلم والأمن الدوليين , ويكون أداة حقيقية لتنفيذ ميثاق الأمم المتحدة. ويتكون مجلس الأمن من 15 عضوا، وكل عضو لديه صوت واحد. بموجب ميثاق الأمم المتحدة، ويكون خمسة أعضاء من الدول دائمي العضوية ( الولايات المتحدة , فرنسا , برطانيا , روسيا , الصين) ويحق لكل دولة من هذه الدول استخدام حق النقض (الفيتو) على المسائل الموضوعية الخطيرة وفقا للمادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة.  وتلتزم جميع الدول الأعضاء بالامتثال لقرارات المجلس. ويأخذ مجلس الأمن زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني. ويدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما.

من هذه اللمحة المختصرة عن مجلس الأمن , أجد أن هنالك اليات ومواضع متعددة يمكن أن يكون لهذا الجهاز الخطير دور كبير في تحقيق (أمل) للشعوب المضطهدة  بسبب النزاعات والاستعمار والفقر والتسلط القهري للأنظمة الدكتاتورية على حقوق وحريات الشعوب, فبالنظر إلى قوة وسائل مجلس الأمن فأن لديه وسائل كافية للخروج  بهذه الشعوب نحو السلم المجتمعي  والتغيير المصيري المنشود من سيطرة القابعين على حقوق وحريات الشعوب , فميثاق الأمم المتحدة تضمن العديد من النصوص التي ترفق بحقوق الشعوب والأجيال  بدون تمييز . إذ نصت ديباجته  (نحن شعوب العالم وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف…) وما جاء في المادة 1 ف2 من الميثاق (إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخإذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام). فمجلس الأمن الحارس الحقيقي لميثاق الأمم المتحدة والايقونة المنفذة لمقاصد هذه المنظمة . ونصت على ذلك م24 ف2 من ميثاق الأمم المتحدة (يعمل مجلس الأمن في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها…..) . فهذه النصوص  التي تمثل الاختصاصات و التخويلات لمجلس الأمن في أن يكون أداة فعالة لتخليص الشعوب المقهورة من وسائل الإكراه والتقييد , وأن يكون حاجزا مانعا  ضد الحروب والجرائم  التي تمس أرواحهم وأموالهم وأمنهم الاقتصادي وكل ذلك يقع ضمن تخصصه في حفظ السلم والأمن الدوليين.

ولو أتينا إلى التساؤل الذي يخص موضوعنا هو .. هل استطاع مجلس الأمن بقوته النافذة وصلاحياته الواسعة في الوقوف مع الشعوب المضطهدة والضعيفة بالضد من المنتهكين لحقوقهم , والمستعمرين؟ وبالضد من مطامع وتأثيرات الدول الكبرى  ؟

الاجابة : لا .  إذ على الرغم من حقيقة الدور الإنساني الذي يجب أن يمارسه المجلس لمصلحة الدول الفقيرة والشعوب المضطهدة إلا أننا نجد هنالك ضعف كبير في انحياز مجلس الأمن للشعوب حين يكون عدو هذه الشعوب, هو شخصية دولية متنفذة بغض النظر عن حجم الانتهاك الذي يمارسه وحجم الاضطهاد الذي يحققه. بل ما يثير الأسى,  ليس وقوف المجلس مكتوف الأيدي أمام اضطهاد الشعوب . بل الأمر المزري  قد يكون المجلس مشاركا فعالا في اضطهاد الشعوب من خلال قراراته  وتوجهاته . والواقع التأرخي القريب , وبعض فعالياته المعاصرة تؤيد ذلك , خصوصا في حقيقة  ما حصل  للشعب العراقي  منذ حرب الخليج الثانية والحصار وصولاً إلى الاحتلال الأمريكي , وكذلك موقفه من الانتهاكات المروعة التي وقعت على الشعب السوري  من قبل نظامه الدكتاتوري والدول والميليشيات المساندة له  , والجماعات الإرهابية التي وفر لها النظام وأعوانه البيئة المناسبة للظهور والتمدد.

فلو أخذنا موقف  ودور مجلس الأمن نحو الشعب العراقي  في سنين عجاف, لوجدنا الحقيقة نجد أن مجلس الأمن مارس دورا سلبيا بل أرى أكثر من ذلك أنه شارك في اضطهاد الشعب , ففي السادس من أغسطس/آب 1990 أصدر مجلس الأمن القرار رقم ( 661) بفرض عقوبات اقتصادية على العراق. وكان الهدف من هذا الحظر التضييق عليه لإرغامه على سحب قواته من الكويت. لكن قبل أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة قادت أميركا قوات التحالف, وأخرجت القوات العراقية. وظلت العقوبات نافذة بذريعة التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وتطبيقه قرارات مجلس الأمن، وشملت هذه العقوبات حظراً تجارياً كاملاً باستثناء المواد الطبية والغذائية والمواد التي لها صفة إنسانية. وأعقب مجلس الأمن عدة قرارات دولية في ما يخص دخول لجان التفتيش . ووافقت الحكومة العراقية كذلك على قرار مجلس الأمن رقم (687) حول لجان التفتيش . وشدد مجلس الأمن الحصار الخانق على العراق عام 1993 بحجة عدم التعاون مع لجان التفتيش وكذلك في قضية اتهام العراق في محاولة اغتيال بوش الأب, فبلغ الفقر والبطالة والجوع أشده على الشعب انذاك  . فأي جريمة ممكن أن تمارسه دولة أو مجتمع أو منظمة أكبر من ذلك  , وأصدر مجلس الأمن قراري (706, 712)  1995 الذي يسمح مجلس الأمن للعراق بتصدير النفط  مقابل الغذاء , ورفض العراق بادء الأمر لما فيه من غبن وظلم حقيقي,  إذ يسًعر برميل النفط بما لايتجاوز ال10 دولارت منقوصا عن ضعف سعره الحقيقي . ولكن بسبب انهيار الاقتصاد العراقي وما أصاب الشعب من جوع وأمراض, قرر العراق  القبول بهذا القرار الجائر  وتحول لاحقا إلى قرار (986) الذي أقر برنامج النفط مقابل الغذاء الغابن , ثم تحت أنظار مجلس الأمن انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية الحقوق السيادية  للعراق ضاربة بعرض الحائط مضامين ميثاق الأمم المتحدة (تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع اعضائها) م2. ف1 . إذ قامت القوات الأمريكية بنشر قوات برية على الحدود العراقية عام 1996 وصولا إلى اكتشاف العراق عدة جواسيس تابعين للمخابرات الأمريكية عام 1998 استقال على إثرها بتلر (رئيس لجنة الأمم المتحدة) في العراق , وفي العام نفسه, وأمام أنظار مجلس الأمن قامت الولايات المتحدة بعملية ثعلب الصحراء وأدت إلى تدمير كثير من البنى التحتية الخاصة بالجيش والشعب . وتكملة لقرارات مجلس الأمن صدر قرار (1441) عام 2002 بشأن أسلحة الدمار الشامل ووقفت الأمم المتحدة ومجلس الأمن موقف المتردي حول حقيقة عدم امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وساعدت الولايات المتحدة في اتخاذه حجة للهجوم على الشعب العراقي واحتلال بلاده رغم كيدية هذا الأمر الذي اعترف به فيما بعد كولن باول  وزير الخارجية الأمريكي , وكذلك ما قاله رئيس ملف أمريكا في المخابرات العراقية سالم الجميلي ( إن العراق في ذلك الوقت أراد تقديم للبرادعي كل شيء فقط  ليقول الحقيقة ليس إلا) ولكن لم يقول الحقيقة بسبب الضغط الأمريكي . وكان لقرارات  مجلس الأمن الظالمة بحق الشعب دور كبير في احتلال العراق عام 2003 , إذ دافع مسؤولون أمريكيون وبريطانيون عن موقف بلادهم بأن قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحرب الخليج عام 1991 ووقف إطلاق النار اللاحق (660 ، 678) ، وعمليات التفتيش اللاحقة لبرامج الأسلحة العراقية (1441) ، قد إذنت بالفعل بالغزو بحجة أن العراق قد اخترقها.

وفيما وصل إليه الشعب العراقي اليوم وما عاناه من فقر وقتل وانتهاكات وحصار جائر ووضع صحي مزري وقمع واضطهاد كان لمجلس الأمن الدور الرئيس والفعال في ذلك إذ كان الشعب العراقي هو المضطهد وهو المتضرر من هذه القرارات , حيث مَن تضَورَ من ألم الحصار ليس السلطة بل الشعب . ومن عانى من الحروب هو الشعب. ومن انهار اقتصاده وتعليمه أفسدت مؤسساته هو الشعب. وكان موقف مجلس الأمن منحازا عن اضطهاد هذا الشعب بكل الآمه  تحت ضغط الدول الكبرى في تحقيق مطامعهم رغم كل الآليات والصلاحيات المتاحة له ليكون منحازا ومدافعا عن الشعب العراقي بكونه مختصا بتحقيق الأمن والسلم الدوليين له.

أما عن دوره المنحاز عن الشعب السوري  فلم  تكن قرارت مجلس الأمن  مصيرية  لمعالجة الوضع السوري المتردي , حيث إن الشعب السوري لاقى الويلات من جرائم  النظام ومسانديه والعصابات المسلحة الأخرى , إذ تحمّل هذا الشعب كل ألوان العذاب وصودرت حرياته وأمطرت عليهم على مدار 10 سنين آلاف البراميل المتفجرة والأسلحة الفتاكة والأسلحة الكيمياوية والبيولوجية المحرمة دوليا.

 إذن لو أردنا التحدث عن السلم والأمن الدوليين فلن نجد شعب يستحق الأمن والسلم الدوليين كالشعب السوري لذا كان يجب أن يكون لمجلس الأمن دور حقيقي واقعي خادم لمصلحة الشعب السوري ضد آلة الحرب والدماء والدمار , المستخدمة من قبل النظام ضد معارضيه, إذ فشل 12 عشر قرارا لمجلس الأمن في  إدانة النظام السوري وحلفائه الدوليين بارتكاب مجازر بحق الانسانية , واستخدام الأسلحة  المحرمة دوليا بسبب فيتو روسي على أغلب القرارات التي مررها مجلس الأمن كانت قرارات غير دائنة  للنظام وغير مصيرية لتحقيق نفع للشعب السوري. فجرائم الحرب التي ارتكبت كانت واضحة للعيان على مدار سنوات فكانت كلها خارقة للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تخص القانون الدولي الانساني ابتداء من الخروقات الواضحة لأتفاقيات لاهاي 1899, 1907 , واتفاقيات جنيف الاربع 1994 والملحقين 1977 , واتفاقية حظر استخدام الأسحة التقليدية 1980, واتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيمياوية 1993……  . وغيرها  الكثير من الجرائم الخارقة للقوانيين والقواعد الدولية , ومهددة للسلم والأمن الدوليين إلا أن مجلس الأمن لم يستخدم ضد النظام عقوبات حتى ولو كان وفقا للفصل السادس , وكان  مكتفيا بانتظار الأحداث ماذا تثمر. وكل ذلك يمضي بأرواح الأبرياء من الأطفال والنساء دون تحرك دولي حقيقي . ولو كان لمجلس الأمن  دور واقعي لأوقف النظام ولجمه بحزمة عقوبات سواء باستخدام عقوبات تحت الفصل السادس أو وضعه تحت طائلة الفصل السابع القامعة أو التغاضي عن خيار عسكري دولي  محدود ضد النظام وميليشياته الطائفية , لو فعل المجلس دوره بشكل واقعي ضمن اختصاصه لكان هنالك عدة حلول تمضي بالشعب إلى حال أفضل مما وصل إليه الآن, ففشلُ مجلس الأمن الانحياز إلى الشعب السوري  يعد من ضمن الحلقات الكبيرة التي أوقعته بهذا المستنقع الإجرامي, إذ حققت روسيا 6 فيتو ضد قرارات كانت تدين وبأدلة دامغة النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيمياوية, وآخرها كان 10 ابريل 2018 , وحين ننظر إلى قرارات مجلس الأمن بخصوص الأسلحة الكيمياوية ( 2209, 2235) لسنة 2015 نجد هنالك تناقض كبير وقع فيه مجلس الأمن إذ في القرارين وتحديدا بعد احداث الغوطتين كان مجلس  يدين ويحذر من استخدام الإلى الكيمياوية  و دعىى لتشكيل اللجان حول التحقيق في استخدام هذه الإلى ولكن نجد التناقض انه حين اسبغت الادلة على النظام وحلفائه بأستخدام السلاح الكمياوي ضد الشعب السوري لم يقدم المجلس على اضفاء اي قرار يعاقب عليه الفاعلين على الرغم من ان هنالك خرق واضح للسلم والأمن الدوليين  مما اظهر بشار الجعفري كأنه ذلك المفاوض العملاق الفذ المنافح عن النظام ولكن في الحقيقة هو ان الخلل الرئيسي يكمن في مجلس الأمن ذاته , في الدور الروسي المقيت الذي اسقط ادوات المجلس الفاعلة.

فما بين دور مجلس الأمن في اضفاء مزاعم كإذبة على امتلاك الأسلحة الكيمياوية على العراق وبين التغاضي عن استخدام النظام السوري وحلفائه للأسلحة الكيمياوية  بشكل جلي وإجرامي بحق الشعب, نجد أن دور مجلس الأمن كان منزويا ومنحازا عن هذه الشعوب المضطهدة والمقهورة على أمرها, وأن أسباب هذا الفشل كثيرة. ولكن أهمها أسباب قانونية وأخرى سياسية.

المشاكل القانونية :

1- مشكلة الأعضاء داخل المجلس: حيث إن الإبقاء على خمس أعضاء دائمي العضوية داخل مجلس الأمن ينقض مبدأ المساواة الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة . وكذلك يكرس سيطرة هذه الدول على قرار مجلس الأمن بغض النظر إذا كان متوافقا مع اختصاصه أم لا.

2- مشكلة القرار داخل المجلس: إذ إن نظام القرار داخل مجلس الأمن ينقسم إلى نوعين, الاول إذ يتطلب أغلبية نسبية ضمن ال15 عضوا في المسائل الإجرائية , والثاني يتطلب الأغلبية النسبية مع موافقة الدول الخمس دائمة العضوية جميعها, في المسائل الموضوعية الخطيرة وهذا ما نسميه حق النقض الفيتو إذ تستطيع أي دولة من الدول الخمس أن تنقض قرار مجلس الأمن مهما كان خطيرا ومهما كما فعلت روسيا في اثني عشر قرارا فيما يخص سوريا.

المشاكل السياسية:

1- ضغوط الدول الكبرى: إذ نرى أن الدول الكبرى هي صاحبة القرار الحقيقي في مجلس الأمن وتمارس ضغوطا كبيرة على قراراته بما يوائم مصالحها كما هي ضغوط الولايات المتحدة على المجلس قبل الحرب على العراق.

2- خضوع كثير من المشاكل التي تخص الشعوب ومصير الدول لهذا المجلس وجعله أقوى جهاز دولي بالعالم , حتى من الهيئة العامة للأمم المتحدة وأجهزتها الأخرى, مما يلقي تأثيره في خلق دكتاتورية جديدة تتحكم من خلالها سياسات الدول الكبرى .

فهذه المشاكل والعوائق كانت سببا في جعل مجلس الأمن أداة مقيدة وغير فعالة باتجاه الشعوب المضطهدة , وأداة  قوية ونافذة بيد الدول الكبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى