بحوث ودراسات

النظام السوري ودبكة تحرير الجولان

حسين الهاروني

باحث سوري من الجولان المحتل.
عرض مقالات الكاتب

في هذا المقال سأتناول العلاقة بين الجولان أرضاً وشعباً من جهة وبين النظام السوري من جهة اخرى خلال نصف قرن بشكل مختصر وذلك لعدم اطّلاع كثير من إخوتنا السوريين على وضع الجولان نتيجة التعتيم الذي مارسه ومازال يمارسه النظام السوري حتى اليوم.
باختصار شديد وفي هذا الباب لابدّ لي من توضيح بعض الحقائق عن الجولان فالمساحة الحقيقية لكامل الجولان تزيد عن ألفي كيلومترمربع إذا ما أخذنا في الاعتبار الجزء غير المحتل والجزء الذي اضافه الاحتلال لخريطة فلسطين المحتلة احتياطيا وهنا اول خيوط كذب النظام .
وتعداد سكان الجولان عند النزوح عام 1967كان 147 الفًا وتعدادهم اليوم في تقديرات تقريبية يزيد عن مليونين , وجميعهم مهجّرون (نازحون) في الداخل السوري من حلب إلى حمص وحماة واللاذقية ودمشق ودرعا والسويداء وغيرها وما بطلنا الشهيد عبد الباسط الساروت إلاّ إبناً لأحد نازحي الجولان السوري المحتل في حمص -كما قيل لي وهو الذي تفتخر سورية كلها به – المغتصبة حقوقهم من قبل النظام السوري، والإشارة إليه هنا إشارة إلى انّ النازحين المتوزعين في كل المدن السورية وليسوا بالضرورة مسجلين كنازحين , مايعني أن الكثير من الباحثين في شأن الجولان يقعون في فخ الأرقام التي يريدها النظام الذي يسعى لإخفاء التعداد الحقيقي لابناء الجولان النازحين في الداخل !

أمّا القرى والمدن والمزارع المسجلة فهي بحدود 350 قرية ومدينة ومزرعة والعدد الكلي يوازي 600 دمّرها الاحتلال وأزالها من الوجود واستخدم حجارتها في التحصينات العسكرية باستثناء خمس قرى في جبل الشيخ يسكنها الإخوة العرب الدروز وتعدادهم اليوم حسب آخر احصائية من الداخل نحو عشرين الفًا وجميعم يعيشون في قراهم تحت الاحتلال ولم ينزحوا عنها حين يدّعي النظام السوري أمام مؤيديه انه يريد تحرير الجولان ويعمل على ذلك بالتطبيل والتزمير والدبكات وهو يملك آلة عسكرية هائلة فتكت بالسوريين الابرياء العزّل ودمرت مدنهم وقتلت اطفالهم ونسائهم فإنه يجب ان يتسائل المؤيد – إذا كان يملك عقلاً – عن خداع هذا النظام وتضليله للناس في أوضح الواضحات ففي عام 1973 انتهت ماسميت لاحقًا من قبل النظام وآلته الاعلامية بحرب تشرين التحريرية بهزيمة نكراء ساحقة للجيش السوري وتبين أنّها كانت مقتلة عظيمة للشباب السوري مسبقة الصنع وهي ربما الجريمة الجماعية الاولى لنظام الأسد مسبقة التخطيط حيث إن القوات السورية التي دخلت الجولان كانت من لون طائفي واحد قيادات وجنود دفعها حماسها ووطنيتها للوقوع في مؤامرة ابادتها بالجملة ، فهناك في دمشق من لم يرد عودتها بل هو من اطلقها والصهاينة سهلوا وصولها إلى عمق الجولان دون اعتراض هناك حتى بحيرة طبريا للقضاء عليها حيث كان الأسد يعاني ارتدادات انقلابه في دمشق وكانت سلطته في خطر فغرر بالقيادات الوطنية التي لم يستطع التخلص منها او احتوائها واستثمر الشعور الوطني لديهم في ذروة المد القومي آنذاك , ودفع بهم للمقتلة .
ففي الثانية ظهرًا من 6 تشرين عام 1973 قامت مئة طائرة سورية بأوامر من الأسد بقصف مواقع في جميع أنحاء الجولان السوري المحتل لم يذكر أنها قتلت عصفورًا صهيونيًا واحدًا في الجولان في عملية مدروسة واستعراض جوي مقنع دفع من خلاله الاسد بهذه القوات وهي الفرقة الأولى مدرعة والفرقة الثالثة مدرعة والخامسة والسابعة والتاسعه مشاة من دمشق وأطراف دمشق إلى عمق الجولان حتى وصلوا إلى مياه طبريا وهم لايدركون مايحيكه الأسد للقضاء عليهم ثم انسحب طيران الأسد وتركهم خلفه نهبًا لمقتلة عظيمة وإبادة تامة قام بها الطيران الصهيوني كنزهة متفق عليها مع الأسد فيما يبدو وهي الفرق التي كانت تشكل خطرًا على استمراره في الحكم .
ويشهد كل أهل الجولان على انتشار أرتال الآليات المدمرة في وضع انسحاب غير قتالي بعد اكتشافهم للمؤامرة من طبريا باتجاه الداخل حتى تل السقي وأبو الغيثار جنوبا ,وامتداداً حتى أبو رجم والجوخدار وتل الفرس وامتدادًا حتى بلدة جويزة وتلال بريقة وبئر عجم , ثم شمالاً حتى القنيطرة المدينة وتل أبو الندى ثم جبل الشيخ فشبعا والحدود اللبنانية.

وقد بقيت جثث هؤلاء الضحايا في مواقعها سنوات بعد المجزرة وقد شهدتُ بقايا جثثهم بأم عيني وكان جيش الأسد يقوم بحماية الاحتلال ،لقد كانت مقتلة رهيبة ومؤامرة لم تجد من يتحدث عنها إلا بعض الأصوات عام 2011 ومابعده على استحياء حين قرر السوريون التخلص من هذا السرطان الطائفي والثورة عليه والوقوف في وجه ظلمه !

في هذه الاثناء وبعد التخلص – باسم تحرير الجولان – ممن يشكلون خطراً على سلطته وبعد أن أصبح الإعلام كله رهينة في يديه بدأت حفلة تثبيت الحكم وصناعة البطل وإخفاء الوجه الآثم الطائفي , بدأت الماكينة الإعلامية العمل باقصى طاقتها لتغطية الجريمة التي سبقها الانقلاب بثلاث سنوات حيث بدأت بتغييب الوعي والتضليل الممنهج للناس , وهنا أتحدث عن الجانب المتعلق بالجولان حصرًا حيث تم تصوير البطل المغوار وهو يرفع العلم السوري فوق ذروة جبل الشيخ في مسرحية رخيصة وتصوير الكذبة كأسطورة , وتصوير الجريمة كحرب وانتصار عظيم , وهو فعلاً كان انتصارًا عظيما للأسد وللصهاينة على الشعب السوري في عمل استخباري مدروس لايقدر عليه الأسد بل هو ربما امريكي أو بريطاني أو إسرائيلي الصنع والاخراج !

ثم رفعت رايات النصر المزعوم وصور الاسد في الشوارع والإعلام والمقرات العسكرية والدوائر الحكومية ,واستمرت صور وتماثيل الأسد وفروع المخابرات تتكاثر كالفطر السام حتى قيام الثورة في عمل ممنهج هدف لإحتلال سورية وهذا ما حصل فعلاً حينها وبدأ الواقع السوري يتحول من سيء إلى أسوأ ومن جريمة إلى جريمة مرورًا بحماة وتدمر وحلب وجسر الشغور وغيرها وبدأت عبادة الصنم وسط السطوة الأمنية والعسكرية والاعلام الخشبي المتبلد.
وقد تمّ تثبيت الحكم الطائفي بالحديد والنار حتى بات نقل ضابط برتبة صغيرة في الجيش من مكان إلى مكان آخر يحتاج موافقة خطّية من رئيس الجمهورية فضلاً عن عشرات أجهزة المخابرات حتى يحسب كل نَفَس على السوريين وخضعت سورية لأسوأ وأغرب خلطة حكم آيديولوجية طائفية ميكيافيلية دموية في التاريخ وبدأ النظام ينخر قيم المجتمع السوري , ويدّمر البنية العقدية والمنظومة الأخلاقية وبالتالي تدمير الهوية السورية وتسييد الدون والتحوت وأصحاب السوابق من أتباعه على المجتمع في المدن والأرياف ,وبدأ بحكم الشعب بالحديد والنار وقد وجد ضالته في قضية الجولان وفلسطين حيث كانتا الاستثمار الافضل لحافظ الأسد والغطاء الشرعي لاستمرار حكمه, والمبرر للقبضة الأمنية والإجرام ,والأداة لغسيل كل جرائمه وهو ما أوصلنا إلى مانحن فيه اليوم سوريين وفلسطينيين من دمار للبنية المادية السورية وتفتيت لوحدة الارض السورية وتمزيق للنسيج الاجتماعي في سورية وتهجير وقتل الملايين وتأصيل الانقسام السياسي بين أطياف الشعب الفلسطيني .

تحرير الجولان الذي طالما تحدث عنه إعلام النظام البليد طيلة نصف قرن , هو من خلف الأسلاك الشائكة بالدبكات والميكروفونات ومكبرات الصوت وتبادل الخطب والشعارات والغزل مع بعض المرتزقة المنتفعين في القرى الدرزية على الطرف الآخر من الشريط الشائك للاحتلال , واجترار البطولات الكلامية والشعارات المستهلكة التي لاتصلح علف للبهائم في مشهد مثير للشفقة، ممجوج، سخيف ومكرر حتى الاستهلاك التام ،والذي لايصدقه حتى السذج والأغبياء ويخدم في تضليل من لايعرفون الجولان في الداخل السوري وتقزيم قضية الجولان وانكار النازحين وتصوير الجولان لهم على أنه القرى الدرزية الخمس التي يعيش أهلها بداخلها في أسلوب إعلامي تضليلي رخيص لايخفى على كل ذي عقل ولا على كل عارف بتفاصيل القضية .

ولما كانت بنية النظام بنية طائفية كان لابدّ لها من تصوير الجولان بمشهد طائفي خدمة لأغراضه الخبيثة بحيث يصوّر الجولان في اعلامه على انه القرى الدرزية فقط فالدروز من وجهة نظره اقلية يمكن التحكم بها واحتوائها ونازحي الجولان تم سحقهم في العشوائيات كعبيد او مواطنين درجة ثالثة يخجلون من واقعهم لأنه يتم إلصاق كل موبقات المجتمع بهم – وبالمناسبة هم الذين كانوا شعلة الثورة السورية في دمشق والكثير من اريافها مثل الكسوة والزريقية والحسينية والمعظمية وجديدة الفضل والذيابية وحجيرة والبويضة والسبينة والقدم والعسالي ونهر عيشة والسيدة زينب والذيابية والحجر الاسود ومساكن برزة – ووقعوا ضحايا لعدد من مجاز النظام وميليشياته الإيرانية اللبنانية العراقية منها جديدة الفضل والذيابية والمعظمية وحجيرة .
وهو مايفسر عدم رضاهم ومعرفتهم بتركيز النظام خلال نصف قرن على القرى الدرزية الخمس وتجاهل مليوني نازح من أبناء الجولان ومدن كبرى عريقة في الجولان مثل خسفين وفيق وقصرين وكفرعاقب وكفر حارب وتنورية وواسط والسلوقية والعال والكرسي والنقيب وغيرها الكثير , فضلاً عن التجهيل والتضليل المتعمدين للسوريين عامة بقضية الجولان ومأساة شعبه بقصد تام ونية خبيثة مدروسة .

ويمكننا القول : إن السلطة الأسدية لم تكتف بكل مافعلته بشأن الجولان وشعبه بل استخدمته أيضا وسيلة لاحتلال سورية حيث تمكنت من خداع جزءٍ من الشعب وتضليله وسحقت جزءًا آخر والنازحين من الجزء الذي تم سحقه واستخدمت جزءًا ثالثًا بالترغيب والترهيب ,واستباحت سورية بالطول والعرض للجزء الرابع (الطائفه العلوية) وباتت تنادي بتحرير فلسطين وليس الجولان فحسب , وتزايد على السوريين بشراء السلاح وإقامة التحالفات , والقبضة الأمنية العسكرية الإجرامية وابتعلت أرزاق السوريين وحرمتهم من أبسط حقوقهم خلال عقود باسم القضية !

والحقيقة لم تكن تلك السلطة سوى احتلال حقيقي لايختلف عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وكانت قد منعت سكان الجولان وسكان القنيطرة المدينة من العودة إلى أرضهم , وزرعت حقول الألغام الخشبية الروسية الفردية حماية للكيان الصهيوني تلك الألغام التي استمرت في قتل السوريين وحيواناتهم حتى يومنا هذا من أطفال ورعاة الاغنام والفلاحين والابقار والاغنام والماعز والخيل , حيث قتلت المئات من شعبنا ومن حيواناتهم التي تشكل مصدر أرزاقهم , ومع ذلك لم يفكر النظام يومًا بإزالتها في قصد واضح من وجودها رغم معرفته ومعرفة جيشه أنها لاتقتل سوى السوريين بل كانت مزروعة لحماية جنود الاحتلال!

وكذلك كان الجيش السوري يقيم حواجز للشرطة العسكرية وللمخابرات في كل كيلو متر تقريباً بالقرب من الشريط الشائك في خط الجبهة تتلخص مهمتها في إذلال الناس ونهب أرزاقهم والتشبيح عليهم وتعقيد أمور حياتهم والتدخل في كل شؤون حياتهم والتجسس عليهم وحساب انفاسهم والأهمّ منع اقترابهم من جنود الاحتلال والحرص على راحة الاحتلال والتحقيق مع كل سوري يدخل المنطقة ومنعه من ازعاج الاحتلال ولو بصرخة احتجاج فمثل تلك الصرخة – ان حصلت – فإنها تودي بصاحبها في غياهب الاسد وتنهي حياته !

وبما أنّ الشيء بالشيء يذكر, وللعبرة والفائدة لابد من الإشارة إلى أن المعارضة التي أتت بها دول واجهزة استخبارات ولم يختارها السوريون فعلت ما مافعله النظام بالنسبة لقضية الجولان وشعبه – إن بسوء نية او عن جهل – ولم تكلف نفسها عناء البحث ومعرفة ولو بعض الحقائق فتابعت بالعقلية نفسها للنظام من حيث تسطيح قضية الجولان , وتجاهل أهله وشعبه النازح , وكذلك ماسمي زورًا إعلام الثورة كان تجسيدًا لإعلام الأسد لكن من ضفة أخرى فهو لم يسعَ لتقديم جديد بل كرر الفعل المقيت نفسه , فكلما أراد الحديث عن الجولان استضاف أحد أبناء القرى الخمس التي لم يطرد الاحتلال سكانها – مع احترامنا ومحبتنا لهم – وتجاهل مليوني نازح هم أهل الجولان المحتل المهجّرون فعلا !

اخيرًا لابد لي من الإشادة ببعض السوريين الذي تحدثوا بصدق ووطنية ومسؤولية – دون ذكر اسماء – عن الجولان وشعبه ولم تتحملهم الأنظمة الوظيفية العربية ومن يقف خلفها ولا الإعلام العربي فقامت تلك الأنظمة باستبعادهم، ولكن في النهاية لن تنتصر سوى الإرادة الحرّة للسوريين وللشعوب العربية عامة , والتاريخ لايعود للوراء بحكم العقل والمنطق والمسيرة الطبيعية للتغيرلاسيما اذا ما تسلّح هذا التغيير بوعي كبير كما يحدث اليوم وافتضاح تام لكل البنى الوظيفية المهترئة.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. صرت قارئ الجديد واللافت فيه مقال خمس مرات نفسي أعرف شو الجديد وشو اللافت فيه حتى تصدر قائمة المشاهدة
    يا ريت سيادة الكاتب تحط خط تحت المهم بالكلام حتى نعرفه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى